الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - دراسات - المرأة في شعر الدكتورة سعاد الصباح ( سميرة رباحية طرابلسي )

مجلة السنونو ( العدد السابع ) - دراسات
المرأة في شعر الدكتورة سعاد الصباح ( سميرة رباحية طرابلسي )
 
المرأة في شعر الدكتورة سعاد الصباح
ديوانها: "امرأة بلا سواحل" نموذجاً
سميرة رباحية طرابلسي
 
الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح من أبرز الأصوات الشعرية في الكويت ومن الأديبات اللواتي أسهمن في إغناء الحركة االشعرية،  وهي من ألمع الأصوات النسائية في الخليج العربي.
وقد كان لبيئتها الاجتماعية الأولى في النشأة، ثمّ الزواج أثر بارز في تكوين شخصية أدبية قوية صريحة بجرأة تعشق الحرية، وتأبى حواجزها بعناد.
فمن طوالع سعودها أن أمها كانت على نصيب غني من الوعي وحب الثقافة والقراءة، ما جعلها تمهد الطريق سهلة كي يعبر فيها طموح ابنتها، من غير أن تتنبأ بمستقبلها الإبداعي، وأنها ستعطي الأدب المعاصر قلباً نابضاً بالشعر، وعبقرية نسوية متميزة بجرأتها.
وكان والدها قدوة شفافة لها، فرعاها بروح أبوية غنيّة نمّت شخصيتها تماسكاً وثقافة جعلتها تعي قيمة الأرض والطبيعة والموسيقا فتعشقها.
وامتدت دروب الثقافة مفتوحة أمامها بعد زواجها، إذ لم تجد معارضة من زوجها، بل منحها كلّ ما يقوّي طموحاتها الإبداعيّة.
وفي أرجاء هذا البيت الزوجي الذي يتواصل مع نبض العالم المعاصر والذي يعبق بأرج الأدب، استطاعت سعاد أن تكمل تعليمها الثانوي والجامعي وأن تتنسم شذا الثقافة الفوّاح في فضائه الرحب، وتنهل ما شاء لها ـ وبتشجيع من زوجها ـ من أزاهير الأدب العربي والعالمي لتنطلق إلى مدرسة الحياة وهي تحمل زاداً ثقافياً وطموحاً معرفياً استقته من مطالعاتها فهي تتقن غير لغة اتقاناً جيداً، هذا فضلاً عن إطلاعها الواسع على الأدب الشعبي والتراث الشعري العربي.
انبثق دورها الأدبي في الخليج والعالم العربي شاعرة بعد صدور دواوينها الشعرية: ومضات ـ فتافيت امرأة ـ حوار الوردة والبنادق ـ قصائد حب ـ خذني إلى حدود الشمس ـ برقيات عاجلة إلى وطني ـ امرأة بلا سواحل ـ في البدء كانت الأنثى. وديوانها "امرأة بلا سواحل" تتيه فيه في عالم الطبيعة ترسخاً للذات، وتمتزج فيه حباً وعشقاً وتجعل الرجل الشرقي والحبيب محورهما انطلاقاً من التمرد على القوانين الوضعية التي رفضتها وأعلنت حربها غير هيّابة ولا وجلة.
اهتمت بصياغة الوجدان العربي في كتابة متمردة على المألوف، وأفصحت عن حبها بذكاء لماح بما تمتلك من طاقة إبداعية خلاّقة في التعبير بوضوح، وبلسان المرأة العاشقة التي تتكىء على المحبوب، وتصلي لتتيه معه في سماء الإشراق كاللؤلؤ البرّاق كامرأة تنشد الإخلاص في الحب والعشق غير المتناهي:
قل لي: (أحبـك) 
كي أصير بلحظة
شفافة كاللؤلـؤة   
وتصبح نفثات الشاعرة كأنها من فؤاد القارىء ومن صميم وجدانه وخواطره، فهي تمنح حبها لعاشقها دون مقابل، إنها تفصح عما في أعماقها تجاه هذا الإخلاص الذي تبتغيه، إخلاصاً ثابتاً صادقاً، لا حباً عابراً:
يا سيّدي
يا أيها المخبوء من عشرين عاماً.. في الوريدْ
يا من يغطّيني بمعطفه
إذا سرنا معاً فوق الجليدْ
ما دمتَ موجوداً معي
فالعام أسعد من سعيدْ
أفصحت عن مكنونات قلبها فأبدعت ومزجت هذه المكنونات بإيقاعات الطبيعة وثراء البحر مزجاً حلّقت فيه وتلازم مع شعورها برومانسية مألوفة، وأحتضن في الوقت ذاته حالة الشاعرة النفسية، نراها حققت تسامياً إبداعياً متميزاً في هذا السرد الهادىء والعنيف بلغة جليلة وجميلة ذات وحدة منسجمة لتهبَ أحلى ثمر من الحب ألا وهو أنوثتها:
حبي جنونيٌّ
ولا أشعر أني امرأةٌ
إذا لم أحطّم قشرة الأشياء
ثم تقول:
أنوثتي ساحقة
عواطفي حارقة
شواطيء تضربها البروق والرعود
وتتجمع المعاني زاخرة في ساحة شعورية، وهي تختال تتدافع، تنهمر برشاقة كالدرر لترسم لون الحب ومعنى الجمال بأقصى حالاته الكونية، فتكشف عن دلالات ذات صلة بأعماقها النفسية متجاوزة الموضوعية إلى الذاتية والواقعية إلى الغنائية، وترينا أنها نفذت إلى العمق في اتساع عالمها الشعري الذي يغوص في المعاني النافذة إلى سرّ هذه الثنائية التي هي مدخل إلى الفكر الإبداعي عند الشاعرة:
إذا ما استقلنا من الحبّ يوماً،
فمن سوف يرسمُ ألوانَ قوس قزحْ؟
ومن سيحرّكُ شوق الوترْ؟
 
*              *              *
 
وتمتلىء حنايا سعاد الصباح حناناً غزيراً حارّاً ورقيقاً، يظلّ يقظاً متدفقاً فيتخلّق عنه صور شعرية فنية بتكثيف رؤيتها لما وراء الأشياء.
ففي وصفها اللحظات الأليمة المقتنصة من صورة الحرب تكشف برهافة بالغة ما شوهته هذه الحرب الدامية ففي المقطع الآتي تجسّد مأساتها ومأساة المواطن الكويتي المنتهكة حقوقه ليل نهار من قبل المعتدي بمصداقية فيها من الرحابة والعمق البوح الرقيق بنبرات أليفة ممتزجاً بوهج اللحظة التي يكمن الألم الدفين فيها ليحطم بوصلة القلب:
قد شوهتني الحرب يا صديقي
والحرب كم تشوّه الإنسان
فهل هناك فرصةٌ أخرى... لكي تحبّني؟
وليس في عينيّ إلا مطر الأحزانْ...      
ثم تنهمر في مخيلتها مشاهد ممارسات المعتدي العاق وتعرّيه وتصف معاناتها وشعورها الصادق بكلمات بسيطة فيها نبض الحياة حين تربط الحاضر بالماضي لتقيم جسراً بين الفن والحياة الواقعية:
أين تُرى سنلتقي؟
وبيننا مدائنٌ محروقة
وأمّة مسحوقة
وبيننا داحس والغبراء..؟
*          *          *
وأننا
في زمن التلّوث الروحيّ
والفكري
يمكن أن نظل أصدقاء؟؟
*          *          *
فكيف نسترجع أيام الهوى؟
ونحن مدفونان
تحت الوحل والرّكامْ
فهي هنا تعالج وجهاً آخر في الوجه الإنساني ألا وهو الصداقة البديل عن الحب في الزمن الصعب زمن التغرّب والتلوّث والتشوّه الذي قدّر علينا أن نعيشه فنبضات ألمها تنساب بعد تكثيف رؤيتها لممارسات العدو الوحشية... فتدينه بشواهد محسوسة من صراع الأجداد الذي يذكّرنا بحرب داحس والغبراء تلك الحرب التي امتدت معاركها أربعين عاماً تسفح الدماء وتزهق الأرواح لسبب نفسي أهوج أثار الروح القبلية الفتاكة. ويمتد التواصل الفني ليجعلنا ندرك هذه الممارسات القبيحة التي أضيفت على جروح المرأة ألا وهي دفنها تحت ركام من التقاليد والعادات البالية التي تحرم المحبين أبسط الحقوق الإنسانية.
الصوت المنطلق من حنجرة الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح أخترق الآفاق العربية وأستقطب المجتمع العربي بأسره بعد أن أعلنت موقفها وشقّت طريقها الخاص، ووجدت لألمها ولنفسها الثائرة على التقاليد الذكورية متنفساً في الشعر، فهو نتاج إنساني ينشد التغيير الحتمي بالكلمة التي كانت خارجة على كل صوت . واختزلت مشاعرهن بما فيها من احتضان لرغبات ومشاعر وعشق وحب حقيقي ومطمئن بعيد عن عقد المجتمع الذي تلمح فيه عصراً لمماليك وسوق الجواري والتراكمات التاريخية التي تجثم فوق صدرها:
أيا قادماً...
من كتاب الغبار،
بعينيكَ، ألمح عصراً لمماليك حيّاً
وألمح سوق الجواري..
تصرّفْ
كما كان يوماً جدودك
يستملكون النّساء
كأيّ عقار
ومن باب اعتزازها بالمرأة ترفض تقييد الجسد النسائي عن طريق تجييره إلى بيت الطاعة بموجب صفقة الزواج...
والأهم من ذلك تريد بموجب ذلك أن ترقى العلاقة بين المرأة والرجل إلى درجات من الانسجام والتناغم والتفاهم بدون قلب المواقع بين الطرفين بعد أن أعلنت حربها على الإنسان الذي وضع القوانين لمصلحة ذكوريته ليكبل المرأة بقيود العبودية ويضع حاجزاً على تحركاتها وإبداعها وشعرها ويريدها أن تكون الملهِمة لا المبدعة:
أتحدّى كل أنواع السلالات التي تحكمنا
باسم السماء
*              *              *
أتحدّى سارقي حرية الفكر،
ومن أفتوْا بذبح الشِّعر حياً..
وبذبح الشعراء..
 
فهنا في ذروة كتابتها الإبداعية تتجلّى المتعة الجمالية التي تجعلنا ندرك بأن الكلمات التي استعملتها، هي مسرح للصور والإيقاعات التي لا تنفصل عن الشحنات الإيحائية المقصودة من الشاعرة لتؤثر على المستمع والمتلقي:
سيظلون ورائي
بالإشاعات ورائي
غير أني
ما تعودت بأن أنظر يوماً للوراء
فقد علمني الشعر بأن أمشي
ورأسي في السماء
تخرجت الدكتورة سعاد الصباح من مدرسة واقعية فيها رائحة التراب وحركة التاريخ وفيها التجاوب المباشر مع المتلقي، وشعرها عزف على الحقائق الأكثر بساطة من نص إلى آخر، وقصائدها تموج بنبرات التحدي وطلاوة الأسلوب الممتع.
أخذت على عاتقها نضالاً من نوع جديد بعد أن أصيبت بخيبات أمل متكررة من الرجل فوجدته في ملحمة الشعر الوجداني والذاتي المبتكر، عملت من موقع المسؤولية الكبرى كونها شاعرة ولا ينظر الرجل إليها فقط على أنها أنثى فيها كل ما يرضي غروره ومطالبه البيولوجية... بل هي امرأة جديدة آتية من فضاء بعيد:
                                                أنا امرأةٌ من فضاءٍ بعيدٍ
                                                فلا بالوعود ألين
                                                ولا بالوعيد
*              *              *
لسوف أعيدك، يا سيّدي
بكل احترام
كما جئتني بالبريدْ
 
أن قراءة شعر الدكتورة سعاد الصباح يبيح لنا أن نقول: أن الأيام رصدتها لتكون شاعرة استثنائية في شعرها، وأن ما كتبته صادر عن التزامها وقناعتها العاطفية والقومية، وقد استطاعت وهي الأميرة المنعمة أن تنطلق وبجرأة لتهتم بالقضايا الإنسانية عن طريق اشتراكها بالجمعيات الإنسانية الدولية، وقد برهنت على كفاءة المرأة وتطورها في خدمة المجتمع أينما كانت ومن أي موقع تمتلكه.
طموحها خلاّق شبيه بجاذبية الحلم لأنه أنصهر في هموم المجتمع الذي أرادته متكاملاً ومنصفاً "لم تكتف بجناح الكلمة (الشعرية) خفاقا إلا وزاوجته بجناح الكلمة (العلمية) ذات الخصائص الفكرية من خلال مقالات وأبحاث ثاقبة بصفتها حاملة لدرجة الدكتوراه في العلوم السياسية" (1)
صقلتها التجربة المرة بعد فجيعتها بولدها فانفتحت آفاق خيالها فأتى صوتها منفرداً ووقف شعرها عصيّاً على القهر والانكسار لأنها ظلت تغني للكويت العائدة قائلة:
                                                أنا بنت الكويت
                                                في عيوني تتلاقى
                                                أنجم الليل وأشجار النخيل
حيث بدأ دورها جديداً والتزامها عميقاً في معركتها التي تعتبر من أهم المعارك الحضارية والوطنية، ولها نشاط ثقافي بالغ الأهمية لامتلاكها دار نشر جديدة تعتبر رافداً حيوياً من روافد الإبداع الحضاري في الوطن العربي.
وفي النهاية نقول بأنها كرست نفسها لتكون شهرزاد "حديثة" بتقديم وردة الفداء إلى الملك شهريار في سريره الليلي، فالشعر خَشبة خلاص توصل الشاعر إلى برّ الأمان وعملية خلق جديدة تتطابق مع عالمه النفسي.
وعلى العموم يتميز شعرها بتقنية الإيجاز وتوارد الجمل ضمن حوار فني يحمل القارىء على الحلم والإدهاش أحياناً والجرأة الحادة أحياناً أخرى، فطوّعت ألمها الداخلي بعزفها سمفونية متكاملة فيها طرقات من التحدّي والسرد العفوي الرقيق والشفاف والجميل العذب وبخاصة أنها هي التي ترى أن "العطاء هو حالة شعرية بحد ذاته، وتقول: ما دام الماء موجوداً في أعماقي فلماذا لا أرش الدنيا بماء محبتي وأزرع أشجار الشعر في كل مكان (2) ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   العربي العدد ك1 1992 حوار مع الشاعرة
(2)   نفس المصدر السابق.
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق