مجلة السنونو (
العدد السابع ) -
مآثرنا في المهجر
|
مؤسسة أبن
رشد في ألمانيا ( الفرق الحضاري هو سبب المبادرة )
|
الفرق الحضاري بين الغرب والشرق هو الذي جعلنا من ضمن من يسأل ويبحث في المجتمع
العربي عن أسباب الركود الحضاري وتخلُّف المجتمعات. لا يُمكن إعادة أيّ حضارة
سابقة كما كانت لأنَّ ذلك يتطلّب إعادة نفس الشروط التي سمحت بالنهضة آنذاك. إلاّ
أنّنا نعتقد أنّ تفعيل حضارة نشطة في مجتمع راكد يحتاج لآمال وأحلام جديدة ونرى أنّ
أهمها الإيمان بمحورية وضع الإنسان الفرد المواطن في الدولة والمجتمع والإيمان
بالتسامح والفكر الحر والجدل الموضوعي.
قبل
أكثر من مائة عام عندما كان خير الدين التونسي والشيخ محمد عبده وجمال الدين
الأفغاني ينادون بالإصلاح والتغيير والنهضة في العالم العربي الإسلامي، كانت
إمكانية اللحاق بالحضارة السّائدة نظرياً وعمليا ليست ببعيدة آنذاك.
عندما ننظر الآن نجد ان هوّة الفرق بين الحضارة الغربية السّائدة والعالم الثالث
ومنهم بلاد العرب أصبحت من العمق بحيث ان اللحاق بها يكاد يكون من الأوهام. كانت كل
الاكتشافات والاختراعات والنظريات العلمية والفلسفية طيلة القرون الستة الماضية من
نصيب الغرب وحده. ولا شك أن الاعتراف بهذا السبق مؤلم بالنسبة لمن يرتبط تراثيّاً
وحضاريّاً بالعالم العربي، وانه لمفزع أنّ العالم العربي لم يقدم شيئاً يُذكر سواءً
لنفسه أو للحضارة الانسانية طيلة هذا الوقت.
والنتيجة أصبحت أن الغرب يسيطر على العالم الثالث بما فيه العالم العربي عسكرياً
واقتصادياً ولحد كبير ثقافياً بواسطة استخدام المعرفة وسلطة الإعلام والعلم
والتحليل العقلي أو القوة المباشرة في كثير من الأحيان. بل أصبح يحدّد مجريات
العالم أجمع وأمست حضارات الدول النامية وحضارة العرب تابعة للغرب تدور في فلكه ولا
يسود هذه العلاقة أي توازن بسبب فقدان توازن القوى والاقتصاد.
إن
الحضارة الغربية السائدة ليست وحدها التي بذرت وأنبتت هذه المنجزات إنما ساهمت فيها
كلّ الحضارات بتراكم المعرفة وتطور الفكر الانساني على هذا النحو المشترك. وقد سبق
للمفكرين العرب إن نقلوا واستوعبوا وطوروا الحضارات السابقة لهم، مثل الحضارة
الايرانية والهندية واليونانية، فيكون العرب قد ساهموا بالحضارة الغربية، حيث كانوا
جسراً بين الحضارة الاغريقية والغربية الحالية.
بالتأكيد هذا وضعٌ غير مقبول ينبغي اجتيازه. ولكن إذا أراد العرب أن يكونوا أنداداً
للغرب ، عليهم أن يدركوا مصدر قوة الغرب بدلاً من تقليدهم له تقليداً أعمى باستهلاك
منتجاته فقط. عليهم أن يفكروا بتطبيق قيم جديدة تؤدي إلى تطور اجتماعي واقتصادي،
قِيم تضمن كرامة كل مواطن. ولكنهم يجدون كل المبررات الاجتماعية والدينية لعدم
تطبيق تلك القيم والمبادئ. فالمشكلة هنا ليست تمادي الغرب فقط بل بالأساس عدم قدرة
المجتمعات العربية باستبدال الكثير من القيَم القديمة بقيم جديدة أهمها وضع الإنسان
وحريته في المجتمع ومساحة إمكانات إبداعه.
والديمقراطيات في العالم مختلفة في الولايات المتحدة عنها في فرنسا وفي الهند تختلف
عما يطبق في السينغال. فكل مجتمع عليه أن يطبق الفكر الديمقراطي كما يراه مناسباً
وأهم مبادئه الفكر الحر والمساواة والعدل بين جميع المواطنين والتعددية السياسية
والتبادل السلمي للسلطة.
إن
جو الفكر الحر والتسامح بالرأي والفكر الآخر هو الأساس الذي عليه تتكوّن الحضارات.
إنَّ تبنّي طُرُق تفكير جديدة لا يعني التكيف والارتباط بالغرب: معظم الحضارات
العالمية قد ساهمت في تطور تلك القيم التي يُقالُ الآن عنها بأنها غربية لكنها
أصبحت مبادئ يرتشد بها الجميع . فهي قيم إنسانية عالمية. تطبيقها في العالم العربي،
يعني أننا نعيد التوجه نحو الذات، لنقوم ضمناً بإحياء مَنْ تحلّى بهذه القيم مثل
أبي العلاء المعري وابن سينا وابن خلدون وابن رشد وابن طفيل وآخرين كثيرين ساهموا
بشكل فعّال في الحضارة الإنسانية.
حان
الوقت لمن ينتمي إلى الحضارة العربية أن يساهم مرة أخرى في الحضارة الإنسانية: من
الضرورة أن تكون الشعوب العربية صانعة للحضارة من جديد. من الضروري أن تصبح مجددة
شريكة في إثراء الحضارة العالمية بدلا من أن تكون تابعة. والطريق للتوصل إلى ذلك هو
إعادة تنظيم البيت العربي، والذي يعني ان نحترم ونطور المشترك بين العرب ونسعى نحو
الوحدة وإعادة بناء الانتماء العربي والقومي إبتداءً من الطفولة في جو من التسامح
وحرية الفكر والمساواة. على الشعوب العربية إن أرادت أن تساهم في الثقافة والتراث
العالمي مرة أخرى أن تبني علاقة أكثر احتراما نحو الإبداع واكثر جدّية نحو العمل
والإنتاج، فمن لا يُنتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره ، ومن لايُبدع
فكرا هو اعجز من ان يُؤثر في مجرى الاحداث وتطور الافكار. يتوجب تشجيع من يقوم بدور
فعّال مبدع من خلال إسهامه في البحث عن أبعاد وآفاق جديدة وإيجاد حلول جديدة
للقضايا المعاصرة. حلول لا سابق لها في التراث. لعلها حلول ايجابية ومنافية للتراث
أحيانا. فالابداع هو خلق الجديد.
إن الصراع بين مؤيدي التراث التقليدي ومؤيّدي تيار التجديد الجذري يُحدث جدلاً
نشطاً ويشجع إيجاد أجوبة واقعية مقنعة. ويمكن أن تتبلور جراء ذلك واقعية جديدة تصبح
صفة ايجابية، ملازمة، مميزة للعالم العربي. لهذا السبب نرحب بالحوار الصريح
المفتوح كل الترحيب. إن نجاح الحوار بين الآراء السياسية والفكرية المختلفة سيكون
مضمونا طالما توافرت حرية إبداء الافكار.
أٌنشئت مؤسسة ابن رشد للفكر الحر للمساهمة في إحراز الأهداف المذكورة أعلاه
ولتكريم المبدعين والمبدعات من العرب الذين يساهمون في تطوير العالم العربي نحو
الفكر الديمقراطي الحر والعلم والمعرفة. وهي مؤسسة مسجلة مستقلة لا تقع تحت تأثير
أيّة حكومة أو سُلطة دينية. هي مؤسسة حرّة تحمل آمال العرب في الارتقاء، في الحرية
والمساواة وحقوق الانسان والعدل الإجتماعي.
تحمل المؤسسة اسم ابن
رشد. وهو المعروف في أوروبا والغرب باسم Averroes
. كان مفكراً عربيا عظيماً، طبيباً وعالماً، قاضياً وفيلسوفاً. عاش من 1126 إلى
1198 ميلادية في الاندلس ومراكش. وقد أنشأنا مؤسسة ابن رشد للفكر الحر في تمام
العاشر من ديسمبر، 1998، بمناسبة مرور ثمانمائة عام على وفاته، ذكرى لابن رشد
وتذكيراً بفضله وبالأخص بفكره الحر. للمؤسسة أعضاء في البلاد العربية والمهجر
يساهمون في تمويلها.
مؤسسة مستقلة تسعى لدعم ونشر قيم الحرية والديمقراطية في العالم العربي
Nabil Bushnaq
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق