مجلة السنونو (
العدد الحادي عشر ) -
نتذكرهم فيحيون
الأرشمندريت ميصائيل حجار ( بقلم : الأستاذ
بهيج جبيلي
)
الأرشمندريت ميصائيل حجار
بقلم:
الأستاذ بهيج جبيلي
"سعدْتُ
بصداقته خمسة وثلاثين عاماً ،
إنساناً أميناً وصديقاً وفياً ً!
"
بهيج
جبيلي
"إنه
من هؤلاء الذين يموتون بشعور المظلوم الظامئ إلى شيء مسلوب يظنونه من صميم حقهم!
هؤلاء الذين يخرجون صفر اليدين من معركة الدهر، سواء أكان موضوع العراك معهم أو
عليهم!
ودعنا الأرشمندريت ميصائيل حجار عام 1979 .. من دون أن يخسر الحب.. (حب حمص)..
وربحنا نحن الحزن، وكان جرحه نصره.. وما أقسى ألا يتحقق نصرنا إلا بجرحنا...."
نهاد
شبوع
ولد
الأرشمندريت ميصائيل حجار عام 1921 للأبوين عبده حجار وندى قرنفلي فأسمياه موسى.
عاش
في كنف والده الذي عمل في مدينة طرابلس، وقد اعتاد، إذ حباه الله صوتاً جميلاً، أن
يردد بعض الأغاني الشهيرة والصعبة الأداء.
أعجب
المثلث الرحمات الكسندروس جحا مطران أبرشية طرابلس آنذاك بصوته الرخيم وبسرعة حفظه
للألحان وقدرته على الأداء الصحيح، فطلب من والده أن يسمح له برعايته، فوافق
الوالد.. وعاش موسى مذّاك في كنفه ابناً روحياً له..
وهناك، كما روى لي ذلك بنفسه، سمحت الظروف للفتى موسى أن تسمعه المطربة السيدة
فتحية أحمد مغنيّاً لها دور (امتى الهوى) لكوكب الشرق أم كلثوم، فأبدت شديد إعجابها
بصوته وتنبأت له بمستقبل عظيم وسألت والده أن تأخذه معها لتدرّبه على أصول الغناء
فكان جواب الوالد الرفض!
ومرّة سمعته كوكب الشرق أم كلثوم حين ردّت الزيارة للمطران جحا بعد أن زارها في
فندق "كونتينتال" في طرابلس، كما استمع إليه المطرب الكبير محمد عبد الوهاب وأبدى
إعجابه طالباً من والده أن يأخذه معه ليتبناه موسيقياً لكنّ الوالد رفض للمرة
الثانية.. فاستمرّ موسى في سلك الكهنوت.
ومرت
السنون.. واستقرّ موسى في أبرشية حمص مع صاحب السيادة المثلث الرحمات المطران
ألكسندروس جحا، فعاش بهذا تحت ظلال هرم من أهرامات التقوى والمحبّة والتضحية،
عادّاً إياه ابناً روحياً له، فتربى على خصال التفاني والغيرية التي رافقت كل
حياته. وقد تدرّج مع السنين في سلك الكهنوت إلى أن نال رتبة (أرشمندريت) بجدارة
محققاً مركزاً مرموقاً في المجتمع الحمصي.
كان
ولعه بالمطالعة مميزاً - فقد اعتاد أن يقرأ الكتب والمراجع الدينية والاجتماعية على
اختلاف أنواعها، كما اقتنى أجود المؤلفات التي أسس بها مكتبة غنية أقامها في غرفته
لا يبخل على احد بأي كتاب فيها أو مرجع يسأله إياه!
أما
في مجال الموسيقى فقد كان فيضاً من الفن والحسّ الموسيقي المرهف حين نهل من معين
الموسيقى البيزنطية (الكنسية) وأتقنها إذ أتاحت له خدمته الطويلة في سلك الكهنوت أن
يتعلمها وأن يتفوق فيها. كما تشبّعت ملكته الفنية بأعمال وألحان عمالقة الموسيقى
العربية في النصف الأول من القرن العشرين كأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، فكان ذلك
عاملاً من عوامل نجاحه في المزج بين الموسيقى البيزنطية، والموسيقى العربية
الأصيلة، والذي بدا جلياً في ادائه الرائع الذي كان يؤثر في المصلين أعمق التاثير.
ولعل
المساحة الصوتية الكبيرة التي كان يمتلكها، ادّت به إلى أن يسمو، مبدعاً، بترتيله
إلى أعلى الدرجات ثم ينخفض ليساير الطبقات الجهيرة في السلم الموسيقي متأثراً
بنصائح صاحب السيادة المطران ألكسندروس جحا مما زاده صقلاً وكمالاً.
ومن
الطريف أن المثلث الرحمات البطريرك الكسندروس طحان، والذي كان واحداً من المعجبين
بصوته، اعتاد ان يهتف من دمشق ليطلب إليه أن يُسمعه - عبر الهاتف - التراتيل
الكنسية ويستمر الترتيل ويطول إلى أن ينبهه المطران جحا باعتراض رقيق:
طالت
المكالمة كثيراً .. الا يكفي؟
بالأمس القريب جمعتني جلسة هادئة بصديق لي عزيز هو الأستاذ الكبير صباح فخري، أشاد
فيها بذائقة أهل حمص الموسيقية وبمحبتهم للفن والاداء الراقي.. وللحظة، ارتسم على
وجهه ظل حزن وأسف وهو يقول: كان لي يوماً في حمص صديق حميم يتمتع بصوت رائع وبثقافة
موسيقية عالية هو الأرشمندريت ميصائيل حجار.. كم أنا حزين لرحيله المبكر!
ولعل
المصلّين يذكرون أداءه المميز في خدمة تراتيل الكنيسة كيوم (الثلاثاء العظيم) حين
كان يرتل قطعة (المرأة الخاطئة).. أو يوم (خميس الأسرار) أو (الجمعة العظيمة) حيث
كان الخشوع يمتلك جميع المصلين وهم يستمعون إليه مرتّلاً (اليوم علق على خشبة)
وكذلك في صباح أيام الآحاد حينما كان يرتل (المجدلية الكبرى) المجد لك يا مظهر
النور..
لقد
تميز الأرشمندريت ميصائيل أثناء الترتيل بانتقاله، من لحن إلى آخر بليونة ورفق
معتمداً على ثقافته الموسيقية الرفيعة، وعلى حنجرته المطواعة القوية.
يملؤني الآن الحزن وأنا أستعيد ذكرى هذا الصديق الذي نذر حياته للرب، وأعاني من
جديد ألم فقده. لقد عاش حياته معطاء، مضحياً، محباً برغم مواجهته لقسوة الظروف من
حوله، اخص بهذا، السنوات التي سبقت موته، فبعد وفاة المطران ألكسندروس جحا عُيّن
معتمداً بطريركياً في حمص، فبقي وحيداً في المطرانية مواجهاً لتيارين متضادين، حاول
أن يوفق بينهما بحنكته وصبره وإرادته القوية، مما ترك أثراً على أسلوب حياته في
محاولة التكيف مع واقع أليم وصعب، الأمر الذي ادّى به، بتقديري، إلى إصابته
بالمرض.. (رغم بنيته القوية والصحة الجيدة التي كان عليها).. ذلك المرض الذي عجّل
برحيله عن دنيانا مبكراً وكان هذا في شهر تموز عام 1979 حيث تم تشييعه بجنازة
متواضعة هادئة ضمّت بعض المخلصين له ممّن علموا بوفاته متأخرين ورحل الفقيد تاركاً
عَبرةً في العيون وحسرة في القلب!
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق