الثلاثاء، 10 مايو 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - أدب وفن - الفن المعاصر ( بقلم : مصطفى بستنجي )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - أدب وفن  
الفن المعاصر ( بقلم : مصطفى بستنجي )

الفن المعاصر

 
بقلم: مصطفى بستنجي

 
الفن هو احد نشاطات تلك المادة العالية التنظيم "قشرة الدماغ البشري" كالذكاء والإرادة والذاكرة إلخ...
وهو مستقل بنوعيته ومرتبط ببقية نشاطات الدماغ ارتباطاً عضوياً وجدلياً.
يعمل الفن على ترجمة العمليات الحاصلة في دماغ الإنسان خاصة وفي كيانه عامة، هذه العمليات الحاصلة نتيجة تفاعل جبلة الإنسان أي مكوناته الوراثية من جهة ومع البيئة من جهة أخرى، وذلك عن طريق الحواس، مستخدماً المواد التي تؤثر في هذه الحواس كالشكل واللون بالنسبة لحاسة البصر، والصوت لحاسة السمع، وهذه المواد كالكلمة والصوت واللون والشكل ما هي إلارسول للفكر بين الناس.
علماً أن للفكر الإنساني مستويات ثلاث: التفكير التشخيصي ثم الشمولي وأخيراً التفكير التجريدي والعلاقة بين هذه المستويات هي علاقة جدلية.
أما التجريد موضوع بحثنا فهو: انتزاع صفة مشتركة بين مجموعة من الموجودات وتكوين صورة عنها في الذهن.
فالإنسانية هي صفة مشتركة بين جميع بني البشر والقيمة صفة مشتركة بين جميع السلع أي ان التفكير التجريدي هو تفكير بالصور المدركة المنتزعة من المشخصات المحيطة بنا. وفي حياتنا اليومية العديد من المجردات كالصور الذهنية المدركة عن: الرجولة. الأنوثة. الأمومة. الطفولة. النقاء الصفاء إلخ..
وقد وضع الإنسان التفكير التجريدي موضع الممارسة اليومية عندما استبدل بنظام المقايضة نظام النقد.
في الأعمال الفنية العادية منها والعظيمة لا تقيم بقدر مطابقتها للطبيعة وإنما لما تحمل في تكوينها وفي علاقاتها الشكلية واللونية من قيم معنوية مدركة أي تجريدية.
فاللوحة ما هي إلا سطح ذو بعدين موضع عليها مجموعة من البقع مكونة علاقات لونية وعلاقات شكلية وبالضرورة علاقات بين الألوان والأشكال.
هذه البقع قد تكون مستمدة من الطبيعة كأشكال النبات والحيوان والإنسان. إذا كانت هذه الأشكال منسوخة فقط نسخاً عن الطبيعة يكون عملنا هذا في مجال التفكير التشخيصي ويبقى ضمن مجال الملاحظة والتطبيق ولوحات كهذه لا تدخل مضمار الفن ما لم يسقط الرسام عليها قيماً معنوية مدركة.
وعبر تاريخ الفن كانت هناك ارهاصات للتخلص من الموضوع الادبي لكونه عائقاً كما رفض التعلق بضرورة إتمام جزئياته.
مثلاً كلمة ليوناردو دافنتشي "ينتهي العمل الفني عندما لا يشعر الفنان بضرورة متابعته" وحياته الفنية مليئة بأعمال غير كاملة من وجهة النظر الهامة الشائعة فقط.
ثم ميكائيل انجلو في أعماله الأخيرة، فقد تخلى عن الجانب الحرفي والتشريحي، وأخضع الشكل الإنساني للقيمة التشكيلية.
وبعده الرسام كرافاجيو وعبارته "باستطاعتنا إسقاط إحساس القدسية على تفاحة" أي أن لغة الشكل واللون في ذاتها هي التي تؤدي المضمون لا الموضوع الأدبي ولا المطابقة للطبيعة.
ومن منتصف القرن التاسع عشر وما بعد، بدأت تتسارع الحركات والمدارس الفنية الواحدة تلو الأخرى، لتؤكد هذا الفهم لموضوعه التصوير، وذلك بسبب تحرر الفنان من سلطة الكنيسة ومن السلطة المدنية اللتين جعلتا من الفن أداة لصنع وسائل إيضاح لمواضيعها المفروضة.
وحتى من سلطة الزبائن الذين يملكون المال لشراء اللوحات.
فبرزت اللغة التشكيلية الحديثة المعتمدة على البقعة في ذاتها شكلاً ولوناً، لما تعطيه من إمكانات أوسع في مجال التعبير من حيث إيقاع شكلها على سطح اللوحة ونغم لونها. واصبحت البقعة الحرة التي يضعها الفنان من تصميمه هو لا تشبيهاً للطبيعة هي التي تؤدي المضمون في العمل الفني، وكما استبعد الموضوع الادبي استبعدت أيضاً عناصر الإيهام والمنظور الخطي والهوائي.
كل هذا في سبيل الوصول إلى لغة تشكيلية بحتة تعتمد في أدائها على إمكانات فن التصوير فقط كاللون والشكل والملمس والخط.
ولو قارنا اللغة التشكيلية القديمة بالحديثة لوجدنا أن الفرق تماماً كالفرق بين اللغة الهيروغليفية الفرعونية وبين اللغة العربية الحالية.
ليس الواقع المحيط بنا هو الموجود في دماغنا بل صورته.
والواقع لا ينحصر في المرئيات فقط وإنما الواقع هو مجموع العلاقات القائمة بين الناس، ثم العلاقات بين هؤلاء الناس والطبيعة، وضمنها العلاقات والقوانين التي تحكمها مادياً وتاريخياً.
ونحن ننتزع باستمرار بواسطة تفكيرنا المدركات أي الشموليات والمجردات من هذا الواقع الديناميكي الدائم التغير، مكوناً انعكاساً وتراكماً لصور ذهنية في دماغنا يتسلسل ورودها وفق الزمان التجريبي، ولكن عندما تصبح هذه الصور الذهنية في خلايا دماغنا لا تبقى محافظة على تسلسل ورودها.
وإنما تدخل في الزمان النفسي للإنسان، ومن هذا ينشأ الإحساس بالماضي والحاضر والمستقبل.
وتتداخل مع بعضها، فقد تغطي صوره من الماضي الإحساس بالحاضر.
فعندما يحقق فنان عملاً على سطح اللوحة فإنما يعطيه من مختزناته السابقة الناتجة عن تفاعله مع البيئة، التي تتداعى بتوارد مختلف عن تسلسل ورودها إلى دماغه ومن أحاسيسه الآنية أثناء تأديته العمل كل هذا ضمن صيغة جمالية نابعة من قدرته الإبداعية ومشتركة مع إدراكه الحسي.
ولما كان الواقع يحمل لنا التأزم والتعقيد والصدمات فنحن لا نستطيع أن نتجاهل عالمنا الداخلي المشحون بمؤثرات الواقع الصلب المتفاعل بعنف. كما لم يعد الذهن البشري المعاصر ساذجاً لنسخ صورة زهرة.
فالفنان ليس من يحول قرص الشمس إلى بقعة صفراء والوردة النضرة إلى بقعة حمراء وإنما الفنان هو من يجعل البقعة الصفراء تتوهج كالشمس ويعطي البقعة الحمراء نضارة الوردة أو حرارة الدم.
وذلك من خلال العلاقات التي يبنيها على لوحته ليوصلنا إلى رؤيته أكثر شمولية.
كما ليس بإمكاننا اللامبالاة، او تصنع السذاجة لنركز اهتمامنا على باقة زهر لنشخصها. او نصنع مشاهد إيضاحية أو دعائية. ونكون أثناء تحقيقها. ننظر إلى اللوحة بعين واحدة والعين الأخرى على رغبات ومتطلبات من سنأمل منهم أن يدفعوا الثمن.
او نعمل على تكرار المرئيات لنثبت صورها في أطر، مهملين عالمنا الداخلي المتشابك بعمق عمق تاريخنا الإنساني، ومتشعب ومعقد مثل واقعنا الحالي مضافاً إليه حدة رغباتنا ومشاعرنا الفطرية وردود أفعالنا نحو الواقع وتطلعاتنا نحو المستقبل.
ولما كانت اللغة التشكيلية القديمة لا تعطي المجال الكافي للتعبير عن كل هذا، فلا بد من لغة تشكيلية حديثة تمكننا من البوح عن تحليلنا
 
للواقع وفهمه وانتزاع المدركات الجمالية منه حتى في أكثر الأوقات تأزماً، لنسجل تفاعلاً إنسانياً سليماً على مستوى الواقع الحالي للقرن العشرين مظهرين العالم الداخلي للإنسان بكل ما في فيه. حيث أن مهمة الفنان الحقيقية هي جعل المدركات غير المرئية مرئية عبر اللغة التشكيلية، بدون عوائق كالمواضيع الأدبية معتمدين المباشرة دون أ التوسل بالمواضيع المشخصة لنسقط عليها ما نريد وبالتالي تكون هذه المواضيع عائقاً بين المضمون الحقيقي والمشاهد.
قد يعتقد البعض أن هذا عمل ذاتي محض لشخص الفنان ومنفصم عن بيئته، ولكن يجب أن نتذكر أن لكل أمة شعورها الجمعي واللاشعور الجمعي. وتجربة الفنان ما هي الا نفس تجربة أفراد بيئة عامة، ومن يقفون معه على نفس العتبة الاقتصادية خاصة. ولكنها أكثر حدة وأكثر استشفاقاً.
أما كيف يمكن للجماهير أن تتذوق أعمالاً معاصرة، فهذا يتطلب إلغاء المواقف المسبقة الباحثة عن المتعة المسترخية، هذه المواقف التي ورثناها واعتدناها من فن متطور عن فن راسب قديم كان قد ولد وترعرع في أقفاص الحريم ولا يمكن الاستمرار به إذا أردنا بناء مجتمع حضاري، إذ أنه يلعب دور المخدر وهو فن متواطئ مع التخلف.
كما يجب أن لا نستغرب التعقيد في الفن المعاصر لأنه نابع من واقع معقد أكثر من ذي قبل.
إن الوظيفة الاجتماعية الأساسية للفن هي تنمية الإدراك الحسي لدى الجماهير وتصعيد حدته، وتحريض الحس الإبداعي وإيقاظ الأحاسيس الإيجابية التي تكبو تحت وطأة الحياة اليومية، ليعود للإنسان إحساسه بذاته كاملاً. والفن عنصر ثقافي يعمل ببطء كالتربية ويتطلب المران والمتابعة لذلك لا تدرك نتائجه إلا على المدى البعيد.
واخيراً..
إن من يعطي الجماهير ما تعرفه مسبقاً وتألفه، في الحقيقة لا يعطيها شيئاً ولا يطور رؤيتها، وإنما يتاجر معها بمفاهيمها.
1976
  
 
هل يُدان سقراط بحجة أن التزامه الثابت بالحقيقة وأبحاثه الفلسفية أدت إلى ما قام به العامة المضللة حين أجبروه على تجرّع السم؟
وهل يدان المسيح لأن ضميره الإلهي الفريد واستمراره في تكريس نفسه لمشيئة الرّب قد أدّيا إلى فعل الصلب الشرير ؟.
مارتن لوتركنغ  جونير
 
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق