الثلاثاء، 10 مايو 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - دراسات - الشاعرة الإغريقية بيليتيس ( دراسة وترجمة : د . شاكر مطلق ) - قسم 1

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - دراسات   
الشاعرة الإغريقية بيليتيس ( دراسة وترجمة : د . شاكر مطلق ) - قسم 1




الشاعرة الإغريقية بيليتيس
الأناشيد
دراسة وترجمة: د.شاكر مطلق
 تقديم :
     الحديث حول حياة وشعر شاعرة الإغريق الكبرى " بيليتيس " - أواخر القرن السابع حتى أوائل القرن السادس قبل الميلاد - أمرٌ شائكٌ وصعب لأسباب عديدة , في مقدمتها - حسبما أرى - هو ذلك التداخل الشديد بين التاريخي , على قلته , والأسطوري الرّحب الوَسيع , ولا سيما بعد أن قام العديد من شعراء الزمن القديم المعروفين , من أمثال أوفيد الروماني ( 43 ق.م - 18 ميلادي ) , باستلهام صورها الشعرية , لا بل وبالسطو عليها أحياناً , لإعجابهم بعذوبتها ورقة كلماتها , المكتوبة بكثير من الحب والصدق والبساطة أيضاً ( السهل الممتنع ) , حتى أنه من الصعب على الباحث في هذا الزمان أن يفرق ما بين الأصلي والمنحول , وهي ظاهرة معروفة لنا جيداً في الأدب العربي .
اعتمدت ترجمتي على كتاب " أناشيد بيليتيس "  الذي أصدره بيير لوي - Pierre Louys " في طبعته الأولى في مونيخ  في عام 1958   , عن دار نشر هايميران , واعيد طبعه عام 1962 , صدرت عن دار نشر المكتبة الأوروبـية.
وأنا أعتقد بأن جهد ترجمة أناشيد بيليتيس لن يذهب سدىً لأننا أمام شاعرة كبيرة وفي حضرة شعر مصفّى يَدخلُ مسامات الروح كالنسيم العليل ، ويمنحنا المتعةَ الجمالية الراقية.
هذا ناهيك عن إعجابي الشديد بهذه الشاعرة الاستثنائية  وبتجربتها الحياتية والوجودية الممَيَّزة في عالَم شعريّ احتكره الرجال طويلاً ، وتمرّدت بيليتس عليه في وقت باكر جداً، في القرن  السادس - السابع ق.م.
هناك  تداخل بين اسم الشاعرة " بيليتيس " واسم مدرّبتها ومعلّمتها في فن الحب والإنشاد والرقص وهي " بسافو أو سافو ". وهو
 لَبْس في الاسم , فهي تارة " بيليتيس " وتارةً أخرى تدعى "بسافو - سافو " , حتى عند ماكس تروي   الذي أصدر كتابه تحت اسم أناشيد " سافو " , وكذلك هو الحال عند الدكتور " عبد الغفار مكاوي  بينما نجد لدى " بيير لويس "   , وهو الذي ترجم قصائدها مباشرة عن الإغريقية ونشرها تحت اسم " أناشيد بيليتيس " , نجده يقول في النص الألماني ما يلي:
" ...  كانت سافو لا تزال جميلة يومها . لقد تعرّفَـتها بيليتيس وكتبت عنها تحت اسم " بسافا "  
لسوء الحظ فإن " بـيليتيس " لم تقدم سوى القليل من التفاصيل عن هذه المرأة ( بسافو - سافو ) التي أسيء فهمها , وهو أمر يؤسف له ,لأن أقل الكلمات عن هذه ( المرأة ) المحرِّضة لها لـ ( بـيليتيس ) , كان سيصبح ثميناً جداً.
حياة الشاعرة " بـيليتيس ":      تحدث عنها الدكتور عبد الغفار مكاوي في كتابه " سافو - شاعرة الحب والجمال عند اليونان "، تحت اسم( سافو ) ، والمعلومات التالية تستند – في غالبيّتها – إلى ما وردَ فيه
كانت الشاعرة تطلق على نفسها اسم " بسافو " وهو اسم استعمله لمناداتها  شاعر شهير معاصر لها يدعى " ألكايوس " - ولد حوالي عام 610 ق.م.
من الثابت أنها ولدت في جزيرة " ليسبوس " - المجاورة لإمبراطورية" الليديين " التي تقع على ساحل آسيا الصغرى في القرن السابع قبل الميلاد وعاصمتها " سارديس - Sardes " , التي ذهبت إليها بعد زواجها و نفيها من موطنها في جزيرة " ليسبوس " , بعد أن شارك أخواها " أنتيمينداس " و" كيكس " في انقلاب على حاكم الجزيرة الطاغية "ميلانخروس"  - وكانت عاصمتها مدينة ميتيلينه يحدد المؤرخون القدماء تاريخ ولادتها حوالي 612 - 609 ق.م .وأحياناً يضعونه بين 610 - 605 ق.م .
     كان أبوها يونانياً يدعى " سكاماندروس " أو  " سكابا نيدرونيموس " الذي مات وهي لا تزال في السادسة من عمرها بينما أمها كانت فينيقية وتدعى "كلايس ", من هنا جاء لون بشرتها السمراء على ما أظن ومقاطعها الشرقية الناعمة وهي تشير في شعرها إلى مظهرها عندما تقول:
.....إن كان القدر القاسي
 قد حرمني من جمال الجسد
فإن نبوغي ( في الشعر ) يعوضني عن هذه العيوب جميعاً .
إن بدا لكَ أنّ قوامي ضئيلٌ
 أو أنني أحمل مقياس اسمي الصغيرِ
فلا تنظر إلي نظرة الاحتقارِ :
حقاً إنني ضئيلة الحجمِ
لكنني بلغت باسمي مجداً
يملأ البلدان جميعاً
ولذلك أحمل في نفسي مقياس اسمي
وإذا لم أكن بيضاء البَشْرةِ
فقد استطاع " بيرسيوس " أن يحبّ " أندروميدا"
التي جعلتْ بلدَه " كيفايا " بشْرَتَها  سمراءَ
     تزوجت الشاعرة - حسب زعم بعض المؤرخين القدماء - من رجل ثري من جزيرة " أندروس " اسمه " كركيلاس " لا تربطها به علاقة عميقة على ما يبدو , فقد وصلنا عنه من شعرها بيت واحد فقط , وانتقلت معه لتسكن عاصمة الجزيرة " ميتيلينه " التي استقرت فيها عقداً من الزمن, وأنجبت منه طفلة أحبتها جداً وغنتها شعراً أسمتها على اسم أمها " كلايس "واعتنت بها كثيراً :
لي طفلة جميلةٌ
شبيهة بالورود الذهبيةِ
(اسمها) " كلايْس " ... حبيبتي
لا ( أبادلُ ) بها مملكة ليديا كلّها
ولا ... الحبيبة .
وكانت سافو من الكاهنات المحترفات في معبد ربات الجمال, المنوط بهنَّ وظائف شتى تخدم وتنظم أمور المعبد وطقوس العبادة , كما نجد أيضاً
إن الفتيات العذراوات اللواتي كان عليهن , حتى يتمكن لا حقاً من الزواج , أن يخدمن في المعبد خدمة جسدية , إلى أن يأتي الرجل الغريب  الذي يدفع لهن أجراً لقاء خدمة الحب هذه , حيث تقوم الفتاة بدفعه إلى المعبد , وتحصل بعدها على حق الزواج .
,ولا أخال المهنة التي مارستها شاعرتنا "سافو  " إلا ضمن إطار عملها ككاهنة في معبد ربات الجمال
ما يمكن أن يدلنا على مكانتها ( الدينية الرفيعة ) أن مهمتها في عيد ربة الجمال " أفروديت " كانت " العزف على القيثارة وغناء الأناشيد ،كما أن من مهامها عند الزواج أن تهيئ فراش العروسين وتشرف على الرقص والغناء في الاحتفال.
إلى جانب اهتمامها الشديد بابنتها كانت علاقتها بأخوتها الثلاثة " أريجيوس - لاريخوس - خراكسوس "
, مشوبة بالقلق الذي عبرت عنه في شعرها, ولا سيما فيما يتعلق بأخيها الأكبر " خاراكسوس " الذي غادر الجزيرة في رحلة تجارية كغيره من أبناء النبلاء بعد أن تغيرت نظرتهم إلى التجارة , واتجه إلى المستعمرة الإغريقية الكائنة في دلتا النيل .
هناك أحب أخوها فتاةً مصرية جميلة تدعى " دوريخا " أنفق مال التجارة عليها فاشتراها وعاد بها إلى موطنه , وهو ما يشكل عبأً على سمعة عائلته النبيلة , متجاهلاً  كل نصائح أخته الشاعرة بهذا الشأن،
     برغم موقفه الرافض لنصائحها فهي تتضرع إلى " أفروديت " وتسميها " كيبريس " , نسبة إلى مكان ولادتها من زبد موج البحر على شواطئ جزيرة قبرص وتتضرع إلى الإله الطيب الحكيم " عجوز البحر " وبناته عذارى البحر الجميلات الرحيمات أن :
أعِدن إلي أخي معافى
كلَّ ما يتوق إليه قلبُه
حققنه لهُ...
رافقيه أنت يا " كيبريس " إلى الوطنِ
أبعدي عنه العواصف الشّريرةَ
إحمِه على طريق العودةِ
     تعرض موطنها إلى الاضطرابات والحروب والاستبداد وحكم الطغاة ايضاً ،ولم تبق هي وعائلتها النبيلة في منأى عن عواقب هذه الأحداث حيث اضطرت إلى مغادرة موطنها , وهي في الرابعة عشر من عمرها إلى مدينة " سييراغوستا - سيراقوصة " في جزيرة صقلية حيث بقيت هناك مدة ثمانية أعوام , (ويرجّح أن تقع ما بين 603 - 595 ق.م ) , ولا توجد دلائل موثقة على ما نعرف إلى اشتراك أخوتها في الاضطرابات السياسية في الجزيرة , التي أدت إلى الإطاحة بحكم الطاغية " ميلانخروس " كما كان الحال عليه مع معاصرها , وربما عاشقها أيضاً الشاعر الشهير " ألكايوس " الذي ولد حوالي عام 610 ق.م وكان قد شارك في حرب الجزيرة مع أثينا , وشارك أيضاً في الاضطرابات السياسية .

 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق