تكريم المربية الأديبة نهاد شبوع
مهرجان
مار اليان الثقافي 2009
إعداد: ريما فتوح
* ولدت في
حمص، وفي مدارسها الأرثوذكسية تلقت علومها الابتدائية والإعدادية والثانوية.
* انتسبت
إلى جامعة دمشق، وكانت تجمع بين الدراسة والتدريس إلى أن تخرجت من الجامعة حاملة
إجازة في اللغة العربية وآدابها.
* عملت في تدريس اللغة العربية في ثانويات حمص، وتسلمت إدارة عدد من مدارسها
الثانوية.
* لها نفحات أدبية نشرت في عدد كبير من المجلات والصحف السورية والعربية والمهجرية،
كما لها عدد من الدراسات المطبوعة في كتيّبات منها(الطبيعة في شعر إيليا أبو ماضي)
أطروحتها التي خولتها التخرج و(ثورة الشكل في شعر بدر شاكر السيّاب) – (دراسة لكتاب
الشعلة لنظير زيتون) – (أدب المهجر) – (رسائل إلى الأدباء) إلخ..
* انصرفت منذ سنوات لخدمة المغتربين العرب وقد أسست لهم (رابطة) هي "رابطة أصدقاء
المغتربين" في مدينة حمص تضم ما ينوف على 125 متطوّعاً بينهم نخبة من مثقفي المدينة
يتفانون معها في خدمة أهداف الرابطة في استقطاب الأجيال المتحدرة من أصل عربي في
المهجر واعتبار المهجر امتداداً للوطن الأم.
* استطاعت
بنشاطها وتضحياتها وتفانيها في خدمة فكرة الرابطة أن تبني بيتاً للمغترب في مدينة
حمص تستقبل فيه كل مغترب يزور الوطن كرمز للبيت الأهلي الأول الذي درس أو غيرته
الأيام.
* كان لها
صفحة أسبوعية في جريدة "حمص"، خصصتها للخوض في موضوع " الاغتراب" ذلك المفصل الهام
في حياة الأمم: وبثّت المغتربين فيها أشواق المقيمين ولهفتهم للالتقاء.
* نالت العديد من شهادات التقدير والشكر من الجاليات العربية في الخارج ومن
يمثّلها، ومن حكومات بلدان الاغتراب، أهمّها: المرسوم الجمهوري الصادر عن رئيس
الجمهورية البرازيلية القاضي بمنحها "وسام ريو برانكو" من رتبة فارس بتاريخ(31 أيار
من عام 2002)، قلّدها الوسام سعادة السفير اوزمار شحفة أمين عام وزارة الخارجية
البرازيلية في(1 تشرين الأول 2002).
* تم
تكريمها في غرفة التجارة من بين النساء المميزات في(1تشرين الأول 2006 ) في يوم
المرأة العالمي.
* آخر إنجازات نشاطها الذي لا يتعب " السنونو" وهي مجلة تصدر بالعربية مع بعض
الترجمات إلى لغات أخرى، وتهدف إلى مد جسور التواصل المبدع ثقافياً وحضارياً بين
الوطن المقيم والوطن المغترب وتحاول تجديد نطاق الخطاب وتوسيعه ليشمل المغتربين
بأجيالهم المتعاقبة وقد صدر منها حتى الآن (10 أعداد).
اجتاحت أسرةَ السنونو و"بيت المغترب" جميعاً مشاعر الفخر والاعتزاز.. حين تلقت
الرابطة خبر ترشيح المربية السيدة نهاد شبوع لتُكرَّم من قبل مطرانية الروم
الأرثوذكس واللجنة الثقافية
لمهرجان مار اليان الرابع ممثلين بحاضن هذا المهرجان وبركته سيادة المطران (جاورجيوس
أبو زخم)..
وراح
كل فرد من الأسرة يعتز بأنه يعرف هذه المربية عن قرب، ويود لو يحدث ويروي للجميع كم
هي كبيرة في القدر، ومعطاءة بالروح.. تفهمنا نحن الصغار والمبتدئين في الأدب، وتأخذ
بيدنا لتعطينا كل الزخم والقوة الكامنة لديها، فتكون أماً بكل معاني الأمومة، تساعد
أطفالها الذين يحبون على الأرض ليبدؤوا بالنهوض والسير، و تمسك بيدهم وتمنحهم من
روحها ومن تجاربها....
غصت
القاعة بالأهل والأصدقاء والتلامذة والأحباء والمهتمين في يوم التكريم.
وبدأت الفعاليات على الرغم من غمامة الحزن والفقدان التي كانت تلَف روح السيدة،
لكنها وكما العادة تعالت على ألمها وكبرت على أحزانها وأتت لتشكر الذين جاؤوا على
شرفها..
وابتدأ سيادة المطران جاورجيوس أبو زخم كلمة يحييّ فيها ابنة المدارس الأرثوذكسية،
ليقول فيها:
" مساء
الخير:
أود أن
أتحدث قليلاً عن الإنسانة التي تعرفت بها.
كنت
أعرفها سابقاً قبل أن آتي إلى حمص وقبل أن أكون مطراناً عليها، وكان ذلك من خلال
كتاباتها بالدرجة الأولى، والتقيت بها لمرات قليلة، ولكنني لم أتعرف بشخصيتها،
وعندما قدمت إلى حمص وأصبحت مطراناً عليها كانت المبادرة الأولى منها: هي التي
قدّمت نفسها وعرفتني بأنها من الجيل المؤسس للتعليم وخاصة تعليم اللغة العربية
وأصولها وجمالاتها وكمالاتها كلها.
وهذا
ليس بالشيء الغريب لأنها خريجة الجامعة السورية في دمشق منذ حوالي نصف قرن تقريباً،
وتكاد تكون من أوائل خريجات جامعة دمشق، ثم دخلت حقل التعليم وكانت في هذا الحقل،
كما عرفت منها شخصياً وكما عرفت من كل طالباتها وطلابها، أنها لم تكن فقط معلمة لغة
عربية، بل كانت مربية بامتياز، محبة بامتياز، موجهة بامتياز أيضاً، وهذا ليس بغريب
عنها لأنها نشأت في بيت ثقافي وتعبت على نفسها كثيراً.
إنها
دائمة الالتصاق بالكتاب وبالثقافة عامة، لذلك توسّعت ثقافتها هذه وامتدّت لتصل إلى
أبعد ما يمكن من المجالات الواسعة، إنها بالفعل محلقة في ما تكتب وفيما تقدّم،
ولديها حس أدبي مرهف رائع جداً، أنا لا أستطيع أن أصف بالفعل ذلك الأسلوبَ الذي
تكتب به وتلك الصورَ والمعانيَ التي تنقلها لنا، وهي على ثقة كبيرة بأنها تقوم بذلك
بكل أمانة وصدق وإخلاص.
عملت في
حقول التربية والتعليم وخرّجت أجيالاً وأجيالاً، ولم يثنها التعليم عن تجديد تأسيس
أولى الرابطات في هذا الوطن (رابطة أصدقاء المغتربين) التي لا تزال تعمّق جذورها
وتسقيها إيماناً وعزيمة قبل تقاعدها عن التدريس وبعده. هذه الرابطة كما تنعتها هي
جسر العبور إلى المغتربات، أجل لقد أسست رابطة أصدقاء المغتربين هذه وترأستها، ولا
تزال، منذ السبعينات حيث ابتدأت بهذا المشروع، وهي ما زالت على رأس هذا العمل بكل
ما أعطيت من قوة، تسير بشكل دؤوب فيه، وقد أنشأت مع فعاليات الرابطة الثقافية مجلة
فصلية جعلتها لسان حال يربط بين المغترَب والوطن، وأتاحت للمغتربين أن يكون لهم
بالنتيجة ما يجعلهم يعودون بالقلم، أو بالأحرى بالكتابة، مع أنها تدعوهم أيضاً دعوة
حقيقية، و" بيت المغترب" هنا - إنجاز رابطتها- معروف في حمص وله تاريخ في هذا
المجال، وقد أسسته أيضاً مع زملائها العصاميين في الرابطة لكي تستقبل فيه المغتربين
ولكي تستضيفهم وتقول لهم: "عندكم بيت صغير، هذا البيت يضمكم مجدداً إلى وطنكم
الأم."
إنها
دائماً وأبداً تؤكد على أن للإنسان نوعين من الأوطان" نوعاً مقيماً ونوعاً آخر
طائراً محلّقاً يحطّ هنا أوهناك في العالم كله، وعندما تُحَدِّث المغتربين في
البرازيل أو الأرجنتين أو أوستراليا أو أميريكا الشمالية أو حتى أوربا تقطف من
لغتها الخاصة، وهذه اللغة تنتهجها وتتبِّعها وبالأحرى تعيشها وتستمدّها من تراث هذه
المدينة العريق في الثقافة والفن والأدب وكل مجالات الحياة الثقافية المعروفة.
إنني
إذا تحدّثت عنها بهذا الشكل فإنني أرى نفسي مقصّراً من حيث أنها بالفعل قدّمت
للوطن.. قدّمت للمجتمع.. قدّمت للحياة وللعالم كله عصارة فكر أدبي رائع، وربّت
أجيالاً وأجيالاً على ذلك وهي الآن إذ ترى نفسها بين كل أولادها وبناتها تجد أنها
بالفعل عملت شيئاً بسيطاً جداً مما أعطاها الله أن تعمل به، إذ هي تعترف وتؤمن بفضل
الله ونعمته عليها وتقدّر وتثمّن هذا العطاء.
إنني
أشكرها على حضورها اليوم بشكل خاص رغم المناسبة المؤلمة التي هي فيها، وإذا قلت ذلك
فليس لأجرح تواضعها ولكنني لأقول إنها فقدت منذ أيام شقيقة لها كانت رفيقة دربها،
ومع ذلك فقد تغلّبت على جراحها وحضرت لأنها رغبت بألا تذهب هذه المناسبة من دون أن
تشارك فيها فتتحفنا ببعض من كلماتها، ونحن نقدّم لها بالنتيجة ما يمكن أن يعبّر ولو
تعبيراً بسيطاً عن شكرنا وامتناننا ومحبتنا لهذا العمل الذي قامت به ولشخصها
العزيز المكرّم.
إنها
بالفعل المربية الفاضلة والتي لها دور كبير جداً في الحياة الثقافية العامة
والأدبية الآنسة نهاد شبوع فلتتفضّل مشكورة."
وعندها
نهضت المربية "نهاد" بكل وقارها، ووقفت لتشكر الذين كرموها، والذين جاؤوا إلى
التكريم، وخاطبتهم قائلة:
" آبائي
الأجلاء.. أيها الحضور الكريم
من هيكل
الله أحييكم، وأشكركم، وأعزّزكم:
أشكر
سيادة المطران جاورجيوس أبو زخم الذي غمرني بهذه الصفات التي أرجو أن أكون بها
جديرة، وحسبي أن أقول لكم إنني من مدرسته تخرجت، وهو المعلم في مدرسة الله، ويكفيني
فخراً أن أكون من مدرسة الله تلميذةً.
أيها
الأعزاء:
كم كنت
أتمنى أن أكون في نجوة من هذه الغيمة الرمادية التي اجتاحت بيتي الصغير وعصبي
الضعيف لأشارككم وأفرح معكم أكثر وأكثر، ولأتأمل أعمق فأعمق في آلاء الحياة
وامتيازها، ولأقف وقوفاً أطول أمام هذه الذكرى العريقة المعاني.. ذكرى تاريخ رمز من
رموز حمص العظيمة القديس اليان، الحكيم، كما كانت تنعته أمي وكما كانت تستجير به
كلما عضّها أسىً، وشدّ على قلبها نزف جروح.. ومنها ومثلها تعلمنا نحن أن نستجير به
كلما شدّت على قلبنا جروح أسى، أو هصرت أغصانـَنا أوجاعُ أقدار..!
في غمرة
هذه الذكرى المقدسة دُعيت لأتكرّم من قبل لجنة القديس اليان وتحت رعاية سيادة
المطران جاورجيوس أبو زخم ومساعيه الحكيمة، وما كان أكرمها دعوة، وما كان أعظمها
بادرة، إذ التكريم - بحد ذاته- هو للمآثر في حنايا الأوعية التي تضمها ومن خلالها.
حضارية
مباركة كل مدينة تكرّم المآثر في أشخاص أبنائها لتجذّرها وتسقيها وتعزّزها
وتنمّيها، ومشكورة معزَّزة مدينة مار اليان القديس الشفيع أبي المآثر مبلسم الآلام
وجروح النفوس والأجساد متمثّلة اليوم بفعاليات مقتدية ناشطة ثقافية دينية ومدنية
يرعاها ويباركها سيادة المطران جاورجيوس أبو زخم مع القائمين على نهضة المدينة.
أقول
مشكورة ومعظمة مدينة مار اليان(حمص) ترى فيَّ قيمة تُكَرَّم، كم أرجو أن أستحقها،
مأثرةً تدلني – اليوم – إليها وتكرمني من خلالها.. ربما لأعزّزها أكثر فأكثر..
ولأعاهد أمام الله بأن أجاهد الجهاد الأكبر كي أكون وكي أظل بتكريمها جديرة.
أيها
الأعزّاء الناشطون القائمون على هذا المهرجان المقدّس الذاكر المذكّر:
اسمحوا
لي أن أشكر وأُشرِك في هذا التكريم وطني وآبائي الروحيين وأهلي - أصولاً وفروعاً-
والأدباء الأصدقاء الذين سبروا فيَّ خلالاً مطوية فنشروها، ودلوني إليها بأحرف
مكتوبة مذللين أمامي امتحانات الجدارة..! وأخص بالذكر الأستاذ الأديب كامل دعدوش.
أجل
اسمحوا لي أن أشكر وأشرك في هذا التكريم الغالي رابطتي (رابطة أصدقاء المغتربين)
وإخوتي العاملين معي في هذه الرابطة وكل من ساعدني وأتاح لي أن أترجم هذه المأثرة
عملاً أجدى ويجدي الإنسان في كل مكان، ولو قليلاً، الإنسانَ الذي هو ملح الأرض ودم
الحضارات لأنه المخلوق على صورة الله ومثاله..
دمتم
جميعاً تعزّزون نماذج هذا الإنسان في مجالات العطاء والبناء والمحبة السلام والصلاة
وشكراً مرة أخرى على هذه اللفتة الكريمة وعذراً إذا أوجزت فعندما يطفح القلب إلى
هذا الحد ويكون لدينا الشيء الكثير لنقوله فإننا لا نقول شيئاً...!!"
ألا اسلموا
نهاد
نهاد
شبوع في ميزان الآخرين:
نبدأ
بتأشيرة ميزان الأستاذ الأديب كامل دعدوش الذي سلط الأضواء الصادقة على نهاد شبوع:
كلاً لا يتجزأ في بحث كامل وزع على الجمهور سابراً أغوار أدبها روحاً.. وشخصاً..
سلوكاً وأسلوباً.. لُحمةً متماسكة لا تتجزأ..!!
نهاد شبّوع وجدان شعري
متألق
بقلم: كامل دعدوش
في آخر
لقاء مع الأديبة نهاد شبّوع قالت: إنّها ليست أديبة وإنّما هي متذوقة للأدب. وقد
تفهّمتُ تماماً دواعي ذلك القول وأسبابه!
ولعله –
التصريح – يعطيني المبرر لأقول أيضاً:
لستُ
ناقداً وإنّما أنا متذوق للنقد، وليس في مقدوري أن ألبس عباءة(شيخ الكار)، واضعاً
أمامي الميزان النقدي الموضوعي الذي يعتمد على مناهج ومعايير يعرفها النقّاد.. بل
في مقدوري عرض انطباعاتٍ نقدية تراكمت وتكاملت خلال ما يزيد على ثلاثين عاماً وهذه
الانطباعات تتوزع على عناوين:
نهاد
الإنسان:
إذا
أردت أن تختصر نهاد بكلمات تقول:
إنّها
سيدةٌ تحكمها في سلوكها وعلاقاتها المثل الأخلاقية العليا، وتنساق وراء الخير وخدمة
الآخرين بإرادة محكومةٍ بالعقل حيناً وبالعاطفة حيناً آخر.
وهي
تدافع عما تؤمن به بشجاعة لا تقهر الخصم، بل تترك فسحةً للقاء، وتصبر على جراحها
مستوحيةً صبر القديسين، وتتعالى على طعنات الغدر والجحود بشموخ النبلاء! أمّا
الوفاء لأساتذتها ولمن رافقها في دروب الحياة فحدّث ولا حرج!
مارست
نهاد التدريس فكانت نموذجاً يحتذى في الإخلاص والبراعة والتفاعل مع الطلاب وإنَّ
أهم ما انطوت عليها مسيرتها في التدريس جعل الطلاب يحبون الأدب ويتذوقونه.
وقبل
انتهاء عملها الوظيفي بسنوات ساهمت في إنشاء رابطة أصدقاء المغتربين، وأشرفت على
صفحتها في جريدة حمص، ومن ثم ساهمت في تأسيس بيت المغترب، وإطلاق أجنحة " السنونو"
في فضاءات الوطن ودنيا الاغتراب.
الأديبة:
كرّست
أدبها لخدمة نشاطاتها الاجتماعية والإنسانية والاغترابية، ولم تتفرغ له، لتمارس
فنونه وألوانه وتنشر على الملأ مقالاتٍ ورواياتٍ ودراساتٍ نقدية، وإنما مارست
ألعابها الذاتية في ملاعب الآخرين فتفوقت عليهم وأحرجتهم!
وهي لا
تنتمي إلى مدرسة أو مذهب معين في الأدب بل هي مع الإبداع والجمال حيثما كان وبأيّ
شكل تجلّى، تجلس معها فتأتيك بشواهد تحبّها من الشعر الجاهلي ونزار والمتنبي
وجبران. أمّا موضوعات أدبها فهي الترحيب بأوسع معانيه وتعدد أشكاله والتوديع أيضاً
بأوسع معانيه وتعدد أشكاله.
أدبها..
الموضوع الواحد الذي لا يبلى ودائماً في حلّة جديدة!
وإذا
استأثر الترحيب والرثاء والوداع بقلمها فإنّ أدبها لا يدخل في أدب المناسبات إلا من
حيث المظهر والشكل، وغالباً ما ينسى القارئ أبطالَ تلك المناسبات لكنه لا ينسى
أبداً الأثر الذي خلفته تلك الكتاباتُ في نفسه!
وبكلمةٍ.. إنّ أدب نهاد ليس أدب العناصر المبرمجة والمناهج المحضّرة إنما هو أدب
الخاصرة.. أدب المعاناة!
الناقدة:
تجلّى
نقدها في دراستين هامتين هما: ثورة الشكل عند السيّاب، والطبيعة في شعر أبي ماضي..
أضف إلى ذلك "أدب المهجر" ودراستها لكتاب الشعلة للمرحوم نظير زيتون وبعض المقدمات
التقويمية لبعض الدواوين الشعرية "كعطش وجوع" للشاعر زكي قنصل، وتعليقات على أبحاث
ومقالات وشخصيات في الأدب أو المجتمع.
وهي
عندما تقوّم شاعراً فإنّما تقوّمه من خلال مدرسته التي ينتمي إليها لا من خلال
تذوّقها للون من ألوان الشعر دون غيره، وفي هذا إنصاف ما بعده إنصاف للشاعر ونتاجه!
" وستجد
نقدها مكتوباً بغير لغته المعهودة بل بلغة شعرية، هي من صنع كيمياء عواطفها
وأعصابها وإحساساتها المرهفة، وقد يُخيل إليك أنّك بإزاء طائر يحوم فوق شاطئ البحر
لينقضّ على فريسته بسرعة ومهارة، ولكنّ طائرنا، ههنا، ما إن يقترب من فريسته،
فيلمسها حتى يبتعد ليناور بذكاء وخفة وكأنّه لا يريد الصيد وإنما يدلّ غيره عليه!"
كذلك
عندما تنتقدُ(تقوّمُ) يغار منها أحياناً المنقود ولو كان على درجة مرموقة وحظٍ وافر
من الأدب، لأنّها تخطف منه الأضواءَ ومع ذلك فهي تلبسه حللاً ربما لا يستحقها ولكنه
الكرم بلا حساب! وإنّ أي حدث أو شخصية، أو قصيدة، لا تُفهم عندها بأبعادها
الموضوعية الماثلة لعين القارئ العادي فقط بل تتفاعل معها إلى أقصى درجة، مضيفةً
إليها من ذاتها وروحها الأمر الذي يجعلها شريكةً لصاحب الموضوع في الانفعال!
ومن آرائها النقدية قولها:
إنّ الشاعر المبدع ليس هو الذي يكشف للقارئ كلّ معانيه وصوره ودلالاته بل هو الذي
يحرّض ويؤثر فيه بشكل ينسجم مع مستواه الثقافي وتجاربه الحياتية...
وقد
يخلق عنده قصيدة أخرى! وهذه المحصلة لا تكون نفسها عند قارئ آخر وكأنّ القصيدة،
هنا، بمثابة رائز من روائز الشخصية في علم النفس! وقد كانت نهاد تجرب ذلك عملياً في
أثناء تدريسها... فكانت تلقي على مسامع طالباتها قصيدةً حديثة يغلبُ عليها الطابعُ
الرمزي، وتتعدد فيها المعاني والمقاصدُ.. وتحفل بالصور والرموز.. ثم تطلب من كل
طالبة أنْ تسجّـل على ورقة خاصة ماذا فهمت من القصيدة..؟ وأية آثار خلفتها في
نفسها؟ ثم تستعرض عدداً من الانطباعات لتبرهن على تفاوت واضح في التلقي والفهم
والتأثّر!! وهذا يدل على فعالية القصيدة المبدعة وغناها..
بينما
قصيدة (الأم مدرسة) للشاعر حافظ إبراهيم تعطي فهماً واحداً لمعانيها واستيعاباً
متقارباًً لصورها ودلالاتها عند المدرسين والطلاب على حد سواء!!.
ومن آرائها أيضاً قولها:
" إن الإبداعات الشعرية والفنية تتجاور وتتلاقى وتتقاطع.. ولكنْ لا شيء فيها ينفي
الشيء الآخر أو يحلّ محله أو يعوّض عنه! وطالما ذكرت أمامي أنّ الأثر الفني
يـُقوَّم بمقدار ما يخلق من متاعب للقارئ بعد قراءته!
وأتساءل: هل آثار نهاد الفنية تخلق المتاعب للقارئ؟ والجواب أتركه لقارئ نهاد..!
ولكنني بكلمة واحدة أقول: إن النقد في أغلب الأحيان يأتي أدنى من النص الذي يتناوله
إلا نقدها فإنّه يتجاوز النص ويرفعه إلى درجة لم تخطر في بال صاحبه!
أسلوبها:
إن
أسلوب نهاد لا يتطابق ولا يلتقي مع مدارس النثر المعروفة في عصرنا! ولعلها تأثرت في
بداياتها بأسلوب الإنجيل المقدس وأسلوب جبران.. ثم امتلكت أسلوبها الخاص الذي ليس
له قريب أو مثيل!
خاطبتها
مرة: " أسلوبك مدرسة مخبأة في عرائش الياسمين، تحتاج إلى أقلام نقّاد منصفين لتحتلّ
واجهة مرموقة في المدارس الأدبية.
في
بستانك أشجار مثمرة، دائمة الخضرة والعطاء، وعلى الرغم من أنه لا غراس جديدة ولا
فسائل منتظرة إلا أنّ الطعم أبداً متميّز بزخم مشبوب"
وخاطبتها مرة أخرى: " جدل الفكرة تجلّى في شعر أبي تمّام وجدل اللفظ تجلى في أدب
جبران إلا أنّهما معاً استراحا متألقين في أناملك"
إنّ قلم
نهاد ليس قلم العقل البارد بل قلم العواطف والأحاسيس. وليس قلم الإقناع بل قلم
التأثير. وهي لا تكتب الجملة السهلة التي يتلقفها القارئ العادي ويستريح بل تضطره
إلى مراجعتها عدة مرات، لا ليفهم مقاصدها، بل ليقف ملياً عند آفاق خيالها وغزارة
ألفاظها ومترادفاتها!.
خاتمة:
وبعدُ..
أتراني أنصفتُ نهاد فيما قدمت؟ وأقول صادقاً.
إنه ما
زال أمامي وأمام غيري جهد كبير لنلبس نهاد ثوب الإنصاف ونضع على صدرها بطاقة:
(رئيسة تشريفات في بلاط الأدب الراقي)!!
حمص –
كامل دعدوش"
نهاد في
مرايا أدباء آخرين أيضاً:
يعدّها الأدباء المفكرون، ممن يتابعون ثمار قلمها وقلبها، إحدى طلائع أديبات الوطن،
ومن ذلك ما قاله الشاعر المهجري(جورج صيدح) في مجلة الأديب
" صفقت
وهللت لمشروع الفرع الدمشقي لرابطة أصدقاء المغتربين تشبيهاً بحمص، المجال واسع،
والأقلام متوافرة، رغم أنها لا تبلغ قلم(نهاد شبوع) الفريد، هذه الأديبة لا تكتب
كلمات بل صوراً وألواناً كأنّها ابتكرت أبجدية جديدة خاصة بها.. ما أعظمها"
(مجلة
الأديب س 34 آذار 1975 صفحة 47).
كما يخاطبها الأديب الصحفي(عبد اللطيف اليونس):
ثقي مرة
أخرى أني لا أجاملك: إن كتاباتك ثروة أدبية من الحرام أن تضيع وهي في هذا المستوى
الفكري الرائع المبدع."
(من
رسالة مخطوطة أرسلها الدكتور عبد اللطيف اليونس
إلى نهاد شبوع
بتاريخ4/3/2000)
وفيها يقول الأديب
المصري وديع فلسطين:
" وترفع
" نهاد شبّوع" في مجلّتها وفي رابطة أصدقاء المغتربين شعاراً موحياً هو "وطن مقيم
مشوق، ووطن مغترب عائد أكثر شوقاً" وهي تخاطب قراءها بعبارة بليغة فتقول: " هل
تستأهل رابطة أصدقاء المغتربين في حمص – بما نسجت وبما أنجزت – خلال الثلاثين أو ما
قبل الثلاثين من الأعوام أن تظل حضوراً مشعاً ينفذ إلى ذاكرة أجيال المستقبل
وإيمانهم؟ وهل من الهدى والحكمة أن نظل وإياهم على هذا الجسر عابرين"؟
أفلا
تستحق نهاد شبّوع راعية هذا النشاط الأممي الموصول تشجيعاً من ذوي الشأن حتى تتمكن
من مواصلة أداء رسالتها دون توقف أو تعثر؟ إن ثلاثين عاماً من البذل والعطاء
والتضحيات ينبغي أن تحظى ولو بمباركة من المجتمع".
(مجلة
الهلال المصرية شهر آب 2004)
وطريف المرايا ما
جاء في رسالة من الشاعر المهجري زكي قنصل إليها:
" أرسلت
نسخة من ديواني: (عطش وجوع) إلى الأخ (وديع فلسطين) في مصر وهو من أصدقائي
الأثيرين، وقد كتب لي منذ أشهر – ولم يكن طبعاً قد اطّلع على مقدمتك الرائعة
للديوان – يبدي إعجابه بقلمك، فما تراه يقول بعد أن يقرأ هذه القطعة الخالدة من
البيان الساحر؟ جورج صيدح قال لي: إنها في مستوى مادة الديوان، وأنا أزيد أنها
أنافت عليها كثيراً، ولولا واجب المجاملة لقالها هو كذلك، ولا ريب أنه قالها بينه
وبين نفسه.."
زكي
قنصل من رسالة مؤرخة إلى نهاد
في
15/7/1977
في مرآة الكاتب الباحث الأديب صاحب (تاريخ حمص الجزء الثاني) (الأستاذ منير عيسى
الخوري أسعد) يقول فيها في إحدى رسائله للشاعر المرحوم عبد العليم صافي:
"حرسها
الله، وأدامها ركناً للأدب، ولؤلؤة في تاج المغتربين جميعاً، إنها تقوم، بتصميم
وشجاعة بأعباء جسام، غنها تحمل في يديها الناعمتين أكثر من كرة.. وفي عقلها أكثر من
هدف.. وفي فؤادها أكثر من أمل.. وفي قلمها أكثر من رسالة..
فرحة
التكريم مفيد نبزو:
"من
يعمل بصمت ديدنه العطاء الصرف ،لا يمكن أن يفكر بثواب،
بل يعمل
من أجل سعادة باطنية
قد لا
يشعر بها إلا القلة من هؤلاء المصطفين لتأدية رسالة سامية،
ومن
هؤلاء الأديبة الشاعرة نهاد شبوع التي وهبت عمرها هدية
للذين
اغتربوا عن أرض الوطن
بأجسادهم فقط،وظلت جذورهم راسخة في أعماق هذه الأرض الطيبة المباركة.
نهاد
شبوع حملت هذه الرسالة
رسالة
السنونوالذي يفرح بلقاء المقيم بالمغترب والمغترب بالمقيم.
وكان
بيت المغترب ثمرة من ثمار شجرتها المباركة، وكذلك مجلة السنونوالتي طارت بجناحين من
نور
ومحبة
ووفاء لمن يتلهفون بشوق وحنين للنور والمحبة والوفاء في وطن الخير والقمح والضوء
والذكريات.
نهاد
شبوع مبروك لك مهرجان العطر والتكريم في مهرجان اليان الثقافي ، وهل لأمثالك لا
ترفع القبعات؟! ،وأي تكريم يختزل مساحات الفعل الذي اقترن بالقول،
وكان
مالم يكن، فسجل أيها التاريخ في مذكراتك اليوم أهدينا وردة لمن تستحق كل الورود،
اليوم عرس السنونو، فيا طيور السماء رنمي
ترنيمة
الفرح ،ورتلي ترتيلة البقاء من فوق ينبوع الأزلية."
نهاية
أود أن أقول مرحى لمدينة حمص ولمطرانيتها ، وللجنة مار اليان الثقافية، لأنها عرفت
قيمة ابنتها، وكرمتها وهي في وسطها، فـ "نهاد شبوع " هي وسام على صدر حمص، وهي من
أمهر البنائين فيها، تبني كل ما هو جميل في روح من حولها.... ولن أنسى ما حييت تلك
الابتسامة الرقيقة، والحنو الكبير اللذين لاقتني بهما في أول يوم دخلت فيه متعثرة
بخطاي إلى "بيت المغترب"، بكل حبها وتفهمها حطمت بسرعة كل حواجز الخوف والارتباك
لدي ...
وسيبقى
الفرح والفخر يتناميان في صدري كلما فالت لي:" إنك ابنتي بالروح تستطيعين أن تفهمي
ما أود قوله مباشرة ".وأظن أن كل من أتى إلى " السنونو" يعيش نفس مشاعري لأن عطاءها
ليس محدوداً، وقلبها وبيتها مفتوح للجميع.
ريما
فتوح
|