السبت، 12 مارس 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة قصيرة كلهن أخواتك ( بقلم : عبد المعين الملوحي )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة قصيرة 
كلهن أخواتك ( بقلم : عبد المعين الملوحي )

كلهن أخواتك
بقلم: عبد المعين الملوحي
 
كالعادة، افتتحت العيد، كما افتتحته الملايين، بزيارة المقابر، بدأت بمقبرة جورة الشياح، على طريق حماة، ومضيت إلى مقبرة باب تدمر، وانتقلت إلى مقبرة باب الدريب، ومن هناك سرت إلى مقبرة باب التركمان. في كل مقبرة إنسان هو جزء من قلبي، أو إنسان أنا جزء من قلبه..
وكنت أسرع في انتقالي من مقبرة إلى مقبرة، فليس حسناً أن تؤجل زيارة واحد من الموتى حتى تملأ الشمس الدنيا، وإلا كانت زيارتك رفعاً لعتاب، والموتى مثل الأحياء تماماً لا يحبون أن تزورهم في أوقات لا تليق بمقاماتهم..
ثم أتهم ينتظرونك، وقد اخذوا للعيد أحسن ثيابهم، وأجمل زينتهم، حتى الدود، - وهو قليل كما تعلمون - كف قليلاً عن أكل ما بقي منهم، وقد رآهم يلبسون ويتزينون ويحتفلون.
وفي باب الدريب شهدت حادثة عجيبة: في هذه الأرض العربية، في أرضنا، يعيش ناس كثيرون ذوو قلوب كبيرة، قلوب إنسانية تسع الكون كله، وتملأ الدنيا كلها، كان يكفي أن أقص عليكم الحادثة دون تعليق، ولكنا - ويا للأسف - قليلو الثقة بذكاء بعض الناس، ولعل لعشرتنا الطويلة لبعض أصناف من هؤلاء الناس أثراً في عدم ثقتنا بذكائهم.
جاء رجل يلبس ثوباً ويضع عقالاً، يهرع إلى المقبرة ويهرول وراءه طفل في الحادية عشرة من عمره، أما الرجل فكان بين الأربعين والخامسة والأربعين، وكان يمسك بين يديه حزمة كبيرة من الآس، ووقف عند مجموعة كبيرة من القبور الصغيرة، قبور الأطفال، لكأن حفار القبور أراد أن يجعل للأطفال الموتى حديقة خاصة، فجمعهم في مكان واحد، عشرين قبراً او ثلاثين لثلاثين طفلاًُ..
وما زال الطفل يركض وراء أبيه حتى بلغه وهو يلهث وقال له: أبي أين قبر أختي؟
وجعل يغرس فوق كل قبر من القبور الصغيرة غصناً من أغصان الآس، وأعاد الطفل السؤال:
أبي! وأعاد الطفل السؤال:
أبي! أين قبر أختي؟
وتلفت الرجل يبحث عن قبر معين فلم يجده.
وقال الوالد وهو ما يزال يغرس الآس فوق القبور، ويتلفت فلا يجد القبر الذي يريد:
- لا أعرف... كلهن أخواتك.
وأعطاه حزمة من الأغصان وقال له: اشكل.
وجعلا يغرسان الأغصان فوق القبور حتى لم يبقَ هنالك قبر دون غصن آس.
تلك هي إنسانية رجل من أبناء شعبنا.. ذلك هو قلبه الكبير، ألم يقل مرة اخ شاعر في رثاء أخيه مالك:
لقد لامني عند القبور على البكا
صديقي لتذراف الدموع السوافك
فقال: أتبكي كل قبر رأيته
لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك؟
فقلت له: إن الشجا يبعث الشجا
فدعني فهذا كله قبر مالك
نعم إن القبور كلها قبور إخواننا، أخواتنا، قبور أهلنا..
ومن اجل ذلك زرنا وسيزور من بعدنا كل ما في بلدنا من مقابر، من أجل ذلك وضعنا وسيضع من بعدنا أغصان الآس على كل ما في بلدنا من قبور.
طوبى للموتى في هذا البلد الطيب.

 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق