مجلة السنونو (
العدد الحادي عشر ) -
خاطرة
|
|
تهاويد
الاّغتراب ( الدكتور غانم الجمالي
)
|
|
تهاويد الآغتراب
الدكتور غانم الجمالي
نبضات من شجن انبعثت من وجدان صديق مغترب , كان صداها نبضات حرّى من مقيم .. أكانت
تواسي غريبا أم تقاسمه الهموم؟.. فالغربة يا اخي ليست بالضرورة النأي عن الأوطان ,
بل لعلها بعمق الانحشار فيه ..
هذه
الثنائية تبادلتها مع صديق مغترب عبر الرسائل النصّية للجوال .. هل سنشهد يوما ما
قد يدعى " أدب الجوّال " ؟ لربما !
في
هذه الثنائية أقوال وعبارت لشاعر أو أديب أو فيلسوف أو عابد وآثرت ألا أقحم الأسماء
, مع إجلالنا لها , لأن الغاية في المعنى والاحساس به , ولأن المشاعر كونية
الانتشار , كاموسيقى , لا تتعرف بالاسماء واللغات .
قال:" صباح الخير , نظرا لكل الأمور الغريبة التي تحدث لي هذا العام , فقد قررت
الذهاب إلى غار حراء كي أناجي ربي : اللهم إن لم يكن بك غضب منّي فلا أبالي
" .
قلت:" وتفضل , اللهم , علينا بعفوك إن لم نستحق رضاك ".
قال
:" في الغربة تصبح أنت وطن أسرتك الوحيد , وهم مملكتك الوحيدة , وآهات الغربة
تتأرجح بينكما .. وقمة أحلامك أن تكون الناطق الرسمي الوحيد لكل هذه الآهات
".
قلت
:" في الوطن أنت وأسرتك في مملكة الغربة , وآهات المواطنة نوّاسية الحركة , كأحلامك
, الممثل الرسمي والشرعي لغربتك ".
قال:" أجمل ما في الأيام أنها تمر رغما عنك , تنقضي شئت أو أبيت , لا يهمها أاعجبك
ما تفعل أم لا ؟ , والأجمل أنك بينما تتكلم عنها تكون قد مضت أكثر , أمدحا كان
الحديث أم ذمّا , فرحا أم حزنا , عنك أم عنها ؟ , هي تمضي وكفى
" .
قلت
:" وهي ماضية , تذكّر أن تحلم , كثر أولئك الذين يعتقدون أن الأحلام طيور الفنيق
تحملنا إلى المستقبل, ربما لكن عندما نحلم نمضي " قدما" نحو الماضي إذ أن اللحظات
التي كنت تحلم فيها هربت من أتون الحاضر وغدت ماض غبر . اعلينا - والحال هذه - أن
نكفّ عن الحلم ؟ .. لا رغم أنف الأيام .. وتذكّر وهي تمضي أن تحلم , لأن الحلم هو
العدّاء الوحيد الذي يسابق الأيام .. ينتصر عليها .. يهزأ بها
".
قال
: " عشرون عاما من الاغتراب , وعشرون من الاقتراب , وبعض لاستقطاب التفريق بينهما ,
أمسى بعدها خوف البعد وأمل القرب هاجسين يتناوبان علينا دون كلل , نصف العمر لكل
منهما , فهل لنا بهنيهة لقاء دون خوف؟ أتصور , لأن الشعر الحق موزون دائما , ونحن
لم نكن إلا قصيدة عشق " .
قلت:" خوف البعد وأمل الاقتراب , كيف للهاجسين , الخوف والأمل , أن يتناوبا ؟ . كل
منهما خلّ للآخر , فكلما انتابنا خوف حمل بين خلجاته أملا بانحساره , وكلما حدانا
أمل كساه وشاح الخوف من انكساره .. لا أمل صرف دون بعض الخوف من فقدانه , كالدائرة
, لا يمكن أن تكون مربعّة الشكل . وكما قلت: نحن , البعيد والقريب منا , قصيدة عشق
فلا يهم الاغتراب أم الاقتراب , ولايهم عشرون عاما لكل منهما أو أكثر .. السنون
تكذب ونحن قصيدة عشق , أليس أبلغ الشعر أكذبه ؟ " .
قال
: " تتعثر أحلامنا في سباقها مع الواقع بحواجز لا حصر لها , ويطير هو محلّقا باجنحة
القدر , والأطرف أننا نتوقع الفوز !".
قلت
:" اسمع ما قيل : منذ ألف عام قال لي جاري , إنني أكره الحياة , فليس فيها سوى
الألم , وفي الأمس مررت على المقبرة فرأيت الحياة ترقص على قبره
" .
قال:" شيخوخة الجسم تظاهر بتجعد الجلد , وشيخوخة النفس تتظاهر بتجعد المبادىء
" .
قلت
:" وشيخوخة الروح تتظاهر بتلبد الفكر وغياب المعنى " .
توقفت تهاويدنا أياما ... كان العدوان فيها على غزة وقال متأثرا بالأحداث : " من
يهن يسهل الهوان علـــيه ما لجرح بميت إلام " .
أجبته مستنكرا العدوان :" ودهر ناسه ناس صغار وإن كان لهم جثث ضخام
أرانب غير أنهم ملوك مفتحة عيونهم نيام "
قال:
" هنالك صحف تبيعك تذكرة للهروب من الوطن " .
قلت:" في المشرق وطن يحترق وأنا بعض من شظاياه " .
تذكّرعبارة أعجبته :" الرئيس جزء من جغرافيا المكان , والزعيم يظل جزءا من التاريخ
"
ومن
وحي ما قرأ أجبته :" الرئاسة مملكة طارئة في المكان , والزعامة ملكة طارئة في
الزمان ... " .
ومرّت أيام أخر كان المزاج العام أكثر من سيء مزاج القريب والبعيد على حد سواء ,
وانعكس ذلك عليه فقال :
"
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب
" .
قلت
:" ... "
قال
:" يولد ابن آدم قابضا يديه حرصا على الدنيا " .
واتممت له العبارة :" ويموت وهو باسطها لأنه لم ينل منها شيئا ".
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق