السبت، 12 مارس 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - خاطرة تهاويد الاّغتراب ( الدكتور غانم الجمالي )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - خاطرة  
تهاويد الاّغتراب ( الدكتور غانم الجمالي )

تهاويد الآغتراب
الدكتور غانم الجمالي


نبضات من شجن انبعثت من وجدان صديق مغترب , كان صداها نبضات حرّى من مقيم .. أكانت تواسي غريبا أم تقاسمه الهموم؟.. فالغربة يا اخي ليست بالضرورة النأي عن الأوطان , بل لعلها بعمق الانحشار فيه ..
هذه الثنائية تبادلتها مع صديق مغترب عبر الرسائل النصّية للجوال .. هل سنشهد يوما ما قد يدعى " أدب الجوّال " ؟ لربما !
في هذه الثنائية أقوال وعبارت لشاعر أو أديب أو فيلسوف أو عابد وآثرت ألا أقحم الأسماء , مع إجلالنا لها , لأن الغاية في المعنى والاحساس به , ولأن المشاعر كونية الانتشار , كاموسيقى , لا تتعرف بالاسماء واللغات .
قال:" صباح الخير , نظرا لكل الأمور الغريبة التي تحدث لي هذا العام , فقد قررت الذهاب إلى غار حراء كي أناجي ربي : اللهم إن لم يكن بك غضب منّي فلا أبالي " .
قلت:" وتفضل , اللهم , علينا بعفوك إن لم نستحق رضاك ".
قال :" في الغربة تصبح أنت وطن أسرتك الوحيد , وهم مملكتك الوحيدة , وآهات الغربة تتأرجح بينكما .. وقمة أحلامك أن تكون الناطق الرسمي الوحيد لكل هذه الآهات ".
قلت :" في الوطن أنت وأسرتك في مملكة الغربة , وآهات المواطنة نوّاسية الحركة , كأحلامك , الممثل الرسمي والشرعي لغربتك ".
قال:" أجمل ما في الأيام أنها تمر رغما عنك , تنقضي شئت أو أبيت , لا يهمها أاعجبك ما تفعل أم لا ؟ , والأجمل أنك بينما تتكلم عنها تكون قد مضت أكثر , أمدحا كان الحديث أم ذمّا , فرحا أم حزنا , عنك أم عنها ؟ , هي تمضي وكفى " .
قلت :" وهي ماضية , تذكّر أن تحلم , كثر أولئك الذين يعتقدون أن الأحلام طيور الفنيق تحملنا إلى المستقبل, ربما لكن عندما نحلم نمضي " قدما" نحو الماضي إذ أن اللحظات التي كنت تحلم فيها هربت من أتون الحاضر وغدت ماض غبر . اعلينا - والحال هذه - أن نكفّ عن الحلم ؟ .. لا رغم أنف الأيام .. وتذكّر وهي تمضي أن تحلم , لأن الحلم هو العدّاء الوحيد الذي يسابق الأيام .. ينتصر عليها .. يهزأ بها ".
قال : " عشرون عاما من الاغتراب , وعشرون من الاقتراب , وبعض لاستقطاب التفريق بينهما , أمسى بعدها خوف البعد وأمل القرب هاجسين يتناوبان علينا دون كلل , نصف العمر لكل منهما , فهل لنا بهنيهة لقاء دون خوف؟ أتصور , لأن الشعر الحق موزون دائما , ونحن لم نكن إلا قصيدة عشق " .
قلت:" خوف البعد وأمل الاقتراب , كيف للهاجسين , الخوف والأمل , أن يتناوبا ؟ . كل منهما خلّ للآخر , فكلما انتابنا خوف حمل بين خلجاته أملا بانحساره , وكلما حدانا أمل كساه وشاح الخوف من انكساره .. لا أمل صرف دون بعض الخوف من فقدانه , كالدائرة , لا يمكن أن تكون مربعّة الشكل . وكما قلت: نحن , البعيد والقريب منا , قصيدة عشق فلا يهم الاغتراب أم الاقتراب , ولايهم عشرون عاما لكل منهما أو أكثر .. السنون تكذب ونحن قصيدة عشق , أليس أبلغ الشعر أكذبه ؟ " .
قال : " تتعثر أحلامنا في سباقها مع الواقع بحواجز لا حصر لها , ويطير هو محلّقا باجنحة القدر , والأطرف أننا نتوقع الفوز !".
قلت :" اسمع ما قيل : منذ ألف عام قال لي جاري , إنني أكره الحياة , فليس فيها سوى الألم , وفي الأمس مررت على المقبرة فرأيت الحياة ترقص على قبره " .
قال:" شيخوخة الجسم تظاهر بتجعد الجلد , وشيخوخة النفس تتظاهر بتجعد المبادىء " .
قلت :" وشيخوخة الروح تتظاهر بتلبد الفكر وغياب المعنى " .
توقفت تهاويدنا أياما ... كان العدوان فيها على غزة وقال متأثرا بالأحداث : " من يهن يسهل الهوان علـــيه ما لجرح بميت إلام " .
أجبته مستنكرا العدوان :" ودهر ناسه ناس صغار وإن كان لهم جثث ضخام
أرانب غير أنهم ملوك مفتحة عيونهم نيام "
قال: " هنالك صحف تبيعك تذكرة للهروب من الوطن " .
قلت:" في المشرق وطن يحترق وأنا بعض من شظاياه " .
تذكّرعبارة أعجبته :" الرئيس جزء من جغرافيا المكان , والزعيم يظل جزءا من التاريخ "
ومن وحي ما قرأ أجبته :" الرئاسة مملكة طارئة في المكان , والزعامة ملكة طارئة في الزمان ... " .
ومرّت أيام أخر كان المزاج العام أكثر من سيء مزاج القريب والبعيد على حد سواء , وانعكس ذلك عليه فقال :
" بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب " .
قلت :" ... "
قال :" يولد ابن آدم قابضا يديه حرصا على الدنيا " .
واتممت له العبارة :" ويموت وهو باسطها لأنه لم ينل منها شيئا ".
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق