السبت، 12 مارس 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - خاطرة مدن ( بقلم : فادي نصار )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - خاطرة  
مدن ( بقلم : فادي نصار )

مدن
بقلم: فادي نصار
لم تكن البرية وقتئذ قد فقدت عذريتها ولم يكن التلوث قد وصل ماوصل إليه أيامنا المرة هذه ,يومها سموها مدينة الحب والجمال مدينة الرجال الشجعان والنساء الساحرات المناضلات وكان كل مايميز أهلها عن غيرهم من البشر هو الحس العالي بالمسؤولية تجاه الآخرين
الشهامة ومحبة الجار لأنها بذلك تختلف عن مدن أخرى مدن جميلة أنيقة خلابة طبيعتها مدن خلقها الرب ووضع فيها كل لمساته السحرية إلا أن أهلها يعانون من تصحر أعمى ينتشر انتشار النار بالهشيم تصحر أخلاقي جعل منهم الأم تهجر أبنائها لتذهب مع عشيقها وأم تعمل و ابنتها في مهنة الدعارة أقدم مهنة في التاريخ وبنفس الوقت وبنفس السعر ونفس الغرفة تصحر أخلاقي وروحي أبعدهم أكثر مما هو متصور عن جوهر الرسالة السماوية فكنت تجد رجال الدين عندهم قد عبدوا ربين الله والمال وابتعدوا عن المحبة ورسالة المسيح ورجال قست قلوبهم فأصبحوا كالآلات يعملون يأكلون ينامون وعند ذلك تنتهي الحياة وعلى الرغم من القلة القليلة التي بقت في تلك المدن من أصحاب الضمائر الحية إلا أن مجتمع المدينة المريض وصفهم بالجنون والشاعر منهم اعتبروه اخرق وكان كل من يمسك قيثاراً أو كتاباً في نظرهم إنما يرتكب الجرم الأكبر.
كانت مدن جميلة غناءة الخضرة حركة الناس فيها قوية ولكن أبعد من ذلك كنت ترى على أبواب المعابد عشرات الأطفال يمارسون مهنة طلب الرحمة والشفقة ونساء لا يملكن الحق برؤية أطفالهن وأولاد غادروا أرحام أمهاتهم وهم لا يعرفون ماذا تعني كلمة عائلة وآخرون يظنون إلى أن يبلغوا سن الرشد أن بابا نويل عبارة عن أكلة شهية يأكلها الأغنياء والنبلاء فقط
مدن غريبة عجيبة معابدها مليئة مكتظة بالبشر أيام الجمع والسبوت والآحاد ولكن كانت لياليها تبدأ بالمعاقرة الرهيبة للخمر والجنس ولا تنتهي إلا بجريمة مرعبة ترتجف لها قلوب الوحوش
في تلك المدن اخترعوا طرق غريبة ومتطورة في تخلفها طرق تشرع أكل الإنسان لأخيه الإنسان ذاك الذي أوصت به كل شرائع الآلهة فكانوا يستغلون المحتاج بإقراضه ما يشاء من المال مقابل نسب جنونية كفوائد وأرباح ورهونات عالية وقيمة حتى لو كلف ذلك أن يرهن المحتاج احد أبنائه فتتكدس الثروات بأيدي قلائل مسخهم الله بصفة الجشع والطمع في مدن كتلك يمكنك أن ترى الملاهي ومواخير الدعارة بجوار بيوت الله
مدن أخرى شعبها أصيب بلوثة المادة فأصبح كل شيء قابل للبيع والشراء وأصبح صغيرهم لا يحترم كبيرهم ولا كبيرهم يتعب في تربية صغيرهم والكل لا مبالي مهتم بقشور الأمور ناسيا لبها ,كل شيء له ثمن والذي يملك أكثر هو الأكثر احتراما وفيها رجل الدين يعمل بالتجارة والسياسيون مشغولون بحل نزاعاتهم الداخلية والبحث عن فتن وطرق جديدة لتدمير المجتمع هناك حيث لا مكان للرحمة ولا مجال للحب هناك في مدن هي أشبه بسدوم وعمورة أشبه بسفينة تغرق وأهلها ينظرون إليها منهم من ينظر بفرح وآخرون ينظرون بحزن وبعضهم ينظر بشماتة والحقد يملئ قلوب آخرون منهم إلا انه في مثل تلك المدن دائما يخلق الرب شجرة مثمرة غالبا ما ترمى بالحجارة تلك شجرة العاطفة يرويها الناس الطيبون والبسطاء منهم والفقراء الذين ليس لديهم ما يخسرونه شجرة تنمو في الأراضي الطيبة تحيط بها نبات الشر والكراهية لكن الرب يعطيها من القوة ما تعجز عن قهرها تلك النباتات تكون ثمارها في الغالب طيبة الطعم جميلة الشكل ذات رائحة ذكية لذلك تجذب الأنظار إليها فمن الناظرون من يريد اقتلاع الشجرة من جذورها بكراهيتهم وحقدهم ومنهم من يأتي بالماء ليرويها وآخرون يريدون سرقة الثمار والفرار بعيدا وآخرون لا يكتفون بقطف الثمار وإنما يكسرون الأغصان ويجرحون الجذع ويدوسون الثمار بأرجلهم فيكون بذلك قتل لكل شيء جميل في مدينة يحلم الجميع وينظر لتكون مدينة أفلاطونية مثالية خيالية إلا أن الأحلام لا تصنع حضارات والكلام والنظريات تحتاج إلى إسقاطها على ارض مهيأة تماما للبذار الصالح والكائن البشري متى وصل إلى مرحلة تكون الإنسانية في داخله عميقة يكون بذلك قد أصبح أطيب ارض وأخصبها.

 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق