الأحد، 1 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - قصة - ض . و . ( ناجي درويش )

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - قصة
ض . و . ( ناجي درويش )
 
وسط المدينة التي ولد بها مصادفة، وإذا به يعشقها إلى الأبد.. تابع سيره المتقطع..
كان المطر ينهمر بجنون غريب كأنه يحاول استغلال لحظات حريته التي يقود بها الطريق من السماء إلى الأرض، قبل أن يدجّنوه في أنابيب حديدية صدئة.. تساءل:
" لماذا أسواق الدجاج تحتل مراكز مدننا؟..
على يمينه رأى معرضاً للكتاب، دخل الصالة محتمياً من المطر، تجول بين الأسماء والعناوين.. استوقفه غلافٌ بهيّ الطلعة، التقط الكتاب وبدأ بتصفحه، سمع صوتاً يحاول صاحبه ألاّ يكون مهذباً:
ـ هيه .. أنت.. ماذا تفعل؟..
ـ أتصفح الكتاب!..
ـ اللّمس ممنوع.. اقرأ العنوان فقط..
نهرته عصا الموجّه التي ربّته في المدرسة، فوضع الكتاب مكانه وخرج.
انعطف يميناً.. رأى واجهةً لمعرض أحذية.. توقف لينظر.. أحسّ بنظرات صاحب المعرض تتفحص سحنته وهيئته وحذائه المثقوب منذ سبع قصائد.. تحركت أصابعه داخل الحذاء محاولةً بقرارٍ ذاتي إخفاء الثقب، سمع صوتاً يحاول صاحبه ألاّ يكون مهذباً:
ـ هيه.. أنت.. ماذا تفعل؟..
ـ أتفحص الحذاء!..
ـ واضح أنك لست " شرَّا ".. اذهب من هنا؟..
نهرته شتلة الكبرياء التي تسكنه منذ ولد:
ـ أتمنعني من الوقوف على رصيف وطني ؟
ظنّه البائع " يتحدّث بالسياسة "، فتراجع واختبأ خلف أحذيته.. فكّر:
" لا أحد يحترم من لا يتظاهر بالغرور".. أمسك بالحذاء كان من القطع المتوسط ومن النخب الأول وسعره يساوي تقريباً سعر الكتاب الذي مُنع من تصفحه.. سمع صوتاً يناديه:
ـ يا أستاذ.. عندنا خبز وجرائد..
نظر إلى الصحف على الطاولة الصدئة القريبة.. لاحظ أنها تعاني قلّة الأوراق وكثرة العناوين فتتجاهل أو تنسى أشياء كثيرة.. تذكّر أوراقه التي يحملها تحت إبطه ولم يبتسم.. لمح أرغفة الخبز، فتساءل بحماقة شاعر:
" لماذا أرغفتنا مستديرة؟ "..
دار حولها.. أخرج بعض القطع النقدية، وتناول رغيفاً وجريدة..
تابع "ض.و" سيره.. لاحظ أن الأرصفة امتلأت ببرك المياه فتذكّر الرطوبة التي أثلجت قدمه.. أحسّ قلبه بالغيرة من قدمه.. تناول أوراقه.. طواها عدة طيّات  ووضعها داخل الحذاء ولفّ الرغيف بالجريدة..
تابع "ضمير الوطن" سيره مؤمناً بأن على الإنسان أن يمضي دوماً إلى الأمام وإلاّ فقد إنسانيته.. اعترضته سيارة حديثة ركنها صاحبها على رصيفه، فكّر أن يلتف حولها ويتابع المسير، لكنه ملّ اللفّ والدوران.. لمح سلّة مهملات تختبئ بعيدةً عن الأضواء.. اقترب.. فتح الغطاء..
وتقيّأ ما بقي من إنسانيته. 

 

 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق