الأحد، 1 نوفمبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - قصة قصيرة - كابوس ثقيل ( الياس لازار )

مجلة السنونو ( العدد الثاني ) - قصة قصيرة
كابوس ثقيل  ( الياس لازار )
 
          رأى نفسه يدخل البيت القديم، يدخله هاتفاً، ينادي أمه وأباه وأخوته، فلا يجد إلا الصدى يصفع هتافه برنين مخيف، ثم تراءى له شق كبير في الجدار راح يتسع أكثر فأكثر حتى هوى الجدار أخيراً ناثراً الأحجار والغبار في كل مكان، فلم يشعر إلا وهو منطرح على الأرض يلملم الأحجار وقد انهارت مهددة إياه بسقوط البيت فوق رأسه ودفنه حياً تحت الأنقاض، واستيقظ لاهثاً يبلله العرق...
          بيته خائف من كارثة.. بيته يستنجد به، يتوسل إليه أن يعود.. لم لا يعود قبل فوات الأوان، قبل أن يصبح شبحاً لا يقدر على المسير، يجب أن يعود، أن يستخرج نفسه من أعماق أرضه، نفسه التي تركها فيها، يوم راح يشق صخرها وترابها وحناياها، نعم حياته كلها كانت هناك، يوم أمضى عمره يبحث عن ثمارها، لكنه أمضى عمره في الاغتراب، عاش أيامه يجري خلف وهم لا أثر للخضرة فيه...
          الخضرة هناك في رؤوس الجبال، في احمرار التراب، في زرقة السماء، في كل حرف من حروف الاسم الحبيب لبلده سوريا....
          وهب لحظتها يزرع أرض الغرفة من فرح الفكرة، لقد أعطى المهجر كل ما استطاع من شبابه، أعطاه القسم الأكبر والأغنى من حياته... أما الآن فسيدير دفة الشراع، سيترك الغربة خلفه، سيؤوب إلى وطنه ويطرح جسده المكدود في أحضان بيته العتيق قبل أن تتلاشى نفسه وأخذ يستعد للرحيل لقضاء ما بقي في حوزة الحياة ليترك العيش الباهت بلا وطن وبلا جذور.

في الغربة لست يا صديقي أكثر من مقعد في حديقة عامة سيجلسون فوقك ويسترحون وينتشون ويشكرونك ثم يمضون.
في الوطن أيضاً لست يا صديقي أكثر من مقعد في حديقة خاصة بالسلطان يجلس فوثك وحده ويستريح وينتشي. لكنه لا يشكرك ولا يمضي أبداً.                                                                                           غادة السمان
 

 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق