مجلة السنونو (
العدد التاسع ) -
قصص قصيرة
|
|
اغتيال
أبو الهول ( فهد بهجت الحوش )
|
|
اغتيال (أبو الهول)
فهد
بهجت الحوش
هنا القاهرة...
الشوارع..
الأضواء.. الناس.. وأنا وحيدٌ في ساحة معركة اختلف جميع رجالها وراحوا يبحثون عن
حروبٍ جديدة يقرعون لها أجراسهم أشعر بأنين الأجراس ينبعث من قاعِ لهاثي وأنا أصعد
الكوبري راكضاً ملهوفاً. أقرأُ في نهاية الدرج: "ميدان رمسيس".
أركضُ وأنا
منقادٌ إلى آلافِ النفوسِ اللاهتة في سماء القاهرة. فلأدخل إلى صفوفهم التي توقظ
أجراسها حواسي المخدرة منذ زمن. عبثاً أحاول أن أتوقف عن الركض, وكأنني في سباقٍ
مات فيه فريق التحكيم وراح المتسابقون يتساقطون بالتناوب.
مازال
الأنين يتعالى باستمرار, فيه تحفُزُ أطفالٍ جياعٍ ينتظرون أن تمنحهم الآلهة أثداءها
المتحجرة. أغيبُ في شبهِ إغماءةٍ وأنا أسقطُ في شارع (شبرا).. أتوقف أمام بيتها..
أتأملُ نافذتها المضاءة. لابد أنها مسافرة الآن في بحورها الموسيقية كعادتها تمتطي
مراكبها الوردية. نحو قلاع النور. سأقرع الجرس.. إنها بانتظاري. تفتحُ الباب:
ــ أهلاً
بك ــ ادخلْ. قالتها بحرارة, كأنها لم ترني منذ سنين. أجيبها بشدة: أبو الهول
ينتظرنا.
ــ لحظة ــ
لحظة, احتلت جميع لحظات حياتي... أحسستها نغمةً ساحرةً رحتُ أرقص لها أمام قناديل
البهجة في عينيها.
لحظة,
جعلتني أستسلم لأمواجها الصارخة رغمً عتمة الأنواء! ورأيتُ نفسي أمتطي مركباً
فرعونياً مليئاً بالتناقضاتِ يلحق بعصا موسى.
***
نشتري
تذكرتين.. نجلس.. يبدأ العرض. الأضواء تتسلط على هرم "خوفو" الذي يأمر بتسيير
الجيوش إلى الحرب. نسمعُ صوتَ صراخ الجيوش وصوت صليل سيوفهم يقرع آذاننا. يصرخُ
الهرم الثاني منقرع: انتظروا عودوا, أتدرون من تهاجمون؟ أنسيتم ما حلَّ بأجدادكم
أيام موسى..؟
نسمعُ
أصوات صراخٍ واستنكارات. يتسلط الضوء على هرمِ خفرع فيقول:
ــ اهتفوا
بحياة فرعون الذي أعدَّ لكم هذه الأرض.
يهتفون
جميعاً بحياته, ثم يسيرون إلى المعركة.
أقنعت نفسي
بأن اللعبة انطلت عليَّ, لكنني فطنت لأبي الهول فصرخت بميرنا: أين أبو الهول؟
فأجابتني
بنفسي الفطنة: لا بد أنَّه سيظهر قريباً.
رضخت
لجوابها ونظرت إلى السماء فرأيتُ مئات النجوم تشدني إلى أفق معتم. ثم سمعنا صراخ
امرأة شابة تقول: احذروا لصوص الحرب.. حافظوا على سريتكم.. تقدموا.. إياكم والتخلي
عن أماكنكم..!
لكنني
تخليت عن مكاني.. فلحقت بي ميرنا قائلةً إلى أين؟
ــ ربما
أرى أبا الهول يتسكع في أحد أحياء القاهرة, يبحث عن مأوى يلجأ إليه.
ــ انتظر..
سيظهرُ الآن..!
ــ لن
يظهر.. لابد أنهم اغتالوه حين جعلوا من الموتِ عدالة.
ــ من
تقصد؟
ــ تجارُ
الحرب والدمار.
ونعود..
أعجزُ عن السيطرة على أيِّ عضوٍ في جسدي.. هل يعقل أن ينتهي أبو الهول يوم مجيئي
إليه وهو الذي عاش آلاف السنين؟
تجيبني
ميرنا وكأنَّها سمعت كلامي: إنه موجودٌ في كل واحد منا, ولن ينتهي إلا بانتهائنا.
ــ هراء...
ــ بل
حقيقة.. وآمل أن تلمسها يوماً..!
ـــ أنتِ
تأملين وأنا آمل, لكننا دائماً نخبئ آمالنا في قارورةٍ محكمة الإغلاق ونعيش طوال
حياتنا نبحث عن مخلصٍ يفتح لنا تلك القارورة.
ورحت آمل
بأن أنام عارياً.. بلا أقنعة, بلا طقوس, بلا أجراس.
***
القاهرة.
مسرح أصواتٍ مختلفة تنبعث من رؤوسٍ مختلفة. غضب. نقاش. صخب, صراخ في كل مكان..
وأنا
وميرنا صامتين في طريقنا إلى شارع الهرم (منذ أسبوع, كلَّ صباح, نستسلم لحرارة
القاهرة, ونزوغُ في شوارعها قطرتا زئبق تلتهبان شوقاً لمرفة كل شيء.. كل شيء..!)
اليومَ
سنزور القلعة.. قالت ميرنا.
لا أستطيع
أن أخالفها, وهي التي سخَّرت نفسها لمرافقتي طيلة فترة إقامتي في مصر.
عشرات
المتسكعين فوق الأرصفة وفي الساحات... ومئات الناس مازالوا ينسكبون من منازلهم,
يندفعون في موكبٍ مخيف رهيب.
نسمع دويِّ
إنفجار قريبٍ منَّا.. الناس يهربون بشكلٍ اعتباطي.. أصواتهم تذكرني بأصوات جيوش
خوفو الذين قهروا ملكهم ليلة البارحة.
الموكب
يغير مسيرة المتفق عليه كل يوم, ونسقط في خندقه الخاص, وينوس مع اهتزازات الإنفجار
الرهيب.
أظلُّ قطرة
زئبقٍ تندلق في الشوارع وعلى الأرصفة. كلمة "إرهابيٍ" تضحكني.
قالوا: إن
مجموعةً من الإرهابيين فجَّروا سيارةً تحت (الكوبري)!
وقالوا:
مات ثلاثة رجال أجانب!
ثم قالت
ميرنا: انظر, إنهم كقطيعٍ تائه.. أخشى أن يحدث انفجار آخر وسط هذا التجمع.
عادتِ
الوجوه تتزاحم أمامنا, تروحُ, تجيءُ, تقفزُ, الصفارات تعول, وأنا وميرنا سجينان
ننتمي إلى قافلة الإحتجاج الدامي في شارع الهرم.
أقول
لميرنا: أهذا هو التطور العصري؟
تجيب: أنا
آسفة لكل مايحدث
ــ لماذا؟
مَنْ؟ مَنِ المستفيد مِنَ الدمار؟ من يعبث بالنفوس ثم يرميَها إلى أجيج النار
الحارقة إلى حلبة صراع حتى الموت.
نفرتيتي
تطارد لصوص الحرب.
رمسيس
الثاني يقضي على الأول ويتهمه بالجنون.
(خوفو)
يختفي بينما كان يفك رموزَ هذا العصر.
تجارُ
السمكِ يهرّبون التاريخ داخل أسماكهم
وأبو
الهول...
تقاطعني
ميرنا: اصمت.. انظر خلفك
أنظرُ..
أرى مجموعة من الرجال يحملون نعشاً ضخماً ملفوفاً بعلمٍ أزرق
أسالُ
ميرنا: مامعنى هذا؟
تجيبْ:
لابد أنه شخص مهم, لذلك كفنوه بعلمِ النيل.
ــ ومن
تراه يكون؟
يجيبني
صوتٌ من الخلف: إنه أبو الهول..!
أصمت,
وتصمتُ ميرنا , ونسير في الجنازة خلفَ العلم الأزرق.
|
|
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق