الخميس، 29 أكتوبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - بلاد الجدود La patrie des aieux أسواق حمص

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - بلاد الجدود  La patrie des aieux
أسواق حمص - أهمها "القوافة" و "القيسارية" و"البازرباشي" - ( خالد عواد الأحمد )
  
   تأتي أسواق حمص القديمة في طليعة أسواق المدن العربية والإسلامية من حيث جمالها واتساعها واحتفاظها بطابعها الأصيل ، وهي تمتاز بسقوفها الإسطوانية وعقودها المقببة الضخمة التي تحمي روادها من قيظ الصيف وبرد الشتاء .
      وتبدو هذه الأسواق بعقودها الحجرية وواجهاتها الفخمة وأقواسها الرشيقة وكأنها خارجة من عصور القرون الوسطى وعند تلاقي سوقين أو اكثر تبرز قبة كبيرة تتوج مفرق الطرق وكأنها قبة مسجد كبير ، وبين مسافة وأخرى تتدلى حزم من نور الشمس من فتحات مربعة الشكل تثقب قنطرة السوق فتنير الشارع البازلتي دون أن يتمازج النور مع الظلام فيتعايشان معا دون أن يتداخلا بينما يسود خارج السوق نور باهر وكل شيء في هذه الأسواق شرقي ومحلي وقديم ، ففي الدكاكين الصغيرة يجلس الباعة خلف سلعهم أو


تجد الصانع يشتغل تحت أنظار المشتري وهنا تعرض مئات من المنتجات كالأقمشة الحريرية والمقصبة والجوخ والشاش والآشيات والأصواف إلى جانب أسواق السجاد الشرقي الثمين والعطور والصاغة والخضار والتوابل وحيث يتجول المرء في هذه الأسواق القديمة يدرك أن التاريخ في سوريا ليس فكرة مجردة أو بطاقة مغبرة في مكتبة مهملة ، بل هو تاريخ حي تراه العينان وتتلمسه اليدان وتستنشقه الروح .
      وتحت قبات هذه الأسواق ولدت عام 1985م أول جمعية اقتصادية مساهمة لصنع منسوجات وطنية تضارع المنسوجات الأجنبية ودعيت هذه الجمعية بـ (الجمعية الاقتصادية لتحسين المنتوجات الحمصية) وسارت هذه الجمعية بخطوات واسعة ونجاح مرموق . حتى كادت منسوجاتها أن تضارع المنسوجات الاوروبية وتفوقها في المتانة والاتقان .
 البابوش والطربوش
      يعتمد تنظيم اسواق حمص القديمة على نوعية البضائع ، تماماً كما كان عليه الأمر في الماضي البعيد ويجد الزائر في هذه الاسواق كل ما يخطر على باله من (البابوش الى الطربوش) كما يقول المثل الشعبي. من الثياب الجاهزة والشرقيات والنحاسيات والاقمشة وستائر النوافذ والثياب الداخلية وأغطية الرأس والفضيات والثريات إلى النراجيل والحلي الذهبية والأحذية والقباقيب والجوارب والحقائب ، إلى مختلف مستلزمات الكلفة والتطريز والعطور ، وكل ما يلزم البيت من صمديات وزهور صناعية وشمعدانات الى ما لا نهاية له من هذه السلع ، ولم تكن هذه الأسواق كما تذكر مصادر التاريخ الاجتماعي للمدينة مجرد دكاكين لبيع البضائع بل كانت منتديات للتداول في قضايا الحياة اليومية وفض المشكلات وتنظيم عقود القرآن وممارسة النشاطات الاجتماعية الأخرى ولاتزال بعض هذه الأسواق تحتفظ بوظائفها الاجتماعية ولكن بصورة مختلفة عما كان يجري في الماضي .
      ومن أهم أسواق حمص القديمة سوق (القوافة) أو (النوري) المجاور لباب الجامع النوري الجنوبي وعرف قديماً باسم سوق (السلحفة) نسبة لسقفه الشبيه بظهر السلحفاة الذي كان قائماً على عوارض خشبية مقببة بألواح التوتياء ، وكانت تشغل محلاته التجارية الكبيرة مقاة متعددة منها (الزرابليه، الفاخورة) وعرف هذا السوق باسم (القوافة) لأشغاله من قبل الحرفيين الذين كانوا يمارسون مهنة صناعة الأحذية أو (الصرامي الحمراء) كما كانت تدعى في الماضي ، وادخلت بعض التجديدات المعمارية على طراز السوق أيام الباشا عبد الحميد الدروبي حيث ابدلت الأرضية المرصوفة بالكتل الحجرية الصعبة المسلك ، واستعيض عنها بالبلاط الحجري المشذب الأملس وتتصدر واجهات المحلات اقواس حجرية ذات اشكال نصف دائرية كما تتوضع على عضائدها اشكال هندسية تاجية ذات زخارف بسيطة وتحيط بالسوق من الأعلى نوافذ للتهوية والإنارة ، استخدم في بنائها الحجر الأسود ، وهو المادة التي تميز البناء المعماري الحمصي .
 قيسارية الحرير
      وإلى جانب سوق النوري وبالتصالب معه يقع سوق قيسارية الحرير الذي تم بناؤه بأمر من الوالي أسعد باشا ليكون خانا لاستقبال المسافرين من تجار وحجاج وفلاحين ، ولفظة (قيسارية) من اصل يوناني وتعني البناء الملكي الامبراطوري قيسارية الحرير بعدد من الدكاكين على جوانبها الأربعة ، ولها مدخل بمصراع كبير من الخشب المصفح بالحديد في وسطه باب صغير يسمى (خوخة) وقفل للباب (سكرة) ويلي الباب دهليز مسقوف بعقد يفضي إلى درج حجري يؤدي بدوره إلى الطابق العلوي الذي يتألف من 27 محلاً تجارياً تحيط بها أعمدة حجرية بيضاء تحمل السقوف الخشبية ، وكان سوق القيسارية مخزناً كبيراً للزيوت في الفترة ما بين 1800 ، 1909 ولا تزال آثار المعصرة الحجرية قائمة حتى الآن ، ثم استقل تجار الحرير في الطابق العلوي وتنوعت المهن في سوق القيسارية ما بين عامي 1939 ، 1940 فاشتمل على تجارة بضائع جديدة كالفاتورة ومال القبان .
      وبموازاة سوق القيسارية يقع سوق عبدو آغا سويدان المعروف الآن بسوق العبي وكان هذا السوق أيام الاحتلال الفرنسي ملجأ للثوار يختبئون فيه بعد ان يقوموا بأعمالهم البطولية ضد الاستعمار الفرنسي ويمتاز هذا السوق بطابع تراثي مضمخ بعبق التاريخ وأريج النضال وعظمة التجارة وجاذبية الشرق وهو يمثل نموذجاً مدهشاً لروائع العمارة العربية الإسلامية وتنشط في هذا السوق مهن الخياطة العربية والتنجيد وبيع البسط القديمة .
 البازرباشي والمعصرة
      ومن الأسواق المكشوفة في حمص سوق البازرباشي الذي يبدأ شرقاً من النهاية الجنوبية لسوق النوري ويحده من جهتها الشرقية حمام الباشا وينتهي بساحة تملؤها المحلات التجارية القديمة وفي المنتصف اكشاك صغيرة لبيع أدوات الكلفة والخياطة والتطريز ويتصدر الساحة جامع البارزباشي (رئيس السوق) أو (شيخ السوق) تتصل الساحة بأسواق مسقوفة لبيع الأقمشة مع سوق الصناعة كما تتصل بساحة صغيرة اخرى يتصدرها الحمام العثماني القديم ويتمتع هذا السوق بأهمية تاريخية ويعرف عند عامة الناس بـ (سوق النسوان) حيث كانت النسوة يتولين فيه بيع الاشياء القديمة أو المستعملة ، وهذا نجد أن المرأة كانت تمارس نشاطها التجاري في الحياة الاقتصادية منذ القديم ، وهناك سوق المعصرة الذي عرف بهذا الاسم نسبة الى مهنة عصر الدبس فيه منذ القديم وتظهر في الجهة الشمالية الشرقية منه داخل أحد المحلات آثار المعصرة الحجرية ، والمحلات الأخرى كانت تستخدم كمستودعات لزبيب العنب ولكن هذا السوق تحول الآن إلى محلات تجارية واستخدام الطابق العلوي للسوق حتى عام 1959م لأصحاب مهنة الخياطة العربية والافرنجية كما أن سقفه العلوي جدد عام 1956م ويستخدم حالياً لبيع مواد النوفوتيه والأقمشة وجوانب منه تستخدم كمستودعات للمنسوجات .
      يتألف الطابق الأرضي من ثلاثة عشر محلاً تجارياً والطابق الأول يحتوي على اثني عشر باباً وعشر نوافذ والدرج لولبي الشكل ويحيط بدهليز الطابق العلوي درابزين حديدي .
      وبالتقاطع مع أسواق القيسرية والعبي والخياطين يقع سوق الصاغة الذي يعود تاريخ بنائه الى أواخر العهد العثماني ويشغل كما هو واضح من اسمه من قبل اصحاب مهنة الصياغة وبعض بائعي النوفوتيه وهو أحدث عهداً من الأسواق المجاورة لكنه شبيه بها في العديد من أقسامه ويحتضن هذا السوق الحمام الصغير الذي يمتاز بالعديد من الميزات التاريخية والفنية والآثرية ولكنه للأسف تحول الى متجر لبيع النوفوتيه والألبسة الجاهزة .
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD  
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق