مجلة السنونو (
العدد الأول ) -
جسر الرسائل والذكريات
|
|||
نهاد شبوع ( حوار عبر البحار )
|
|||
جسر الرسائل
والذكريات
Pont
des lettres et des souvenirs
.. هكذا هنأ الوطن المقيم
يوماً الشاعر المهجري المرحوم زكي قنصل بمناسبة فوزه بجائزة "ابن زيدون" عام 1988
شاعرنا الأثير:
للتّو يسعفني الفرج مما شدّ على عنقي بأمراس
(1)
، وللتو أراني
في حل ٍ من لغة الحزن والعزاء وفي التحام مع لغة الفرح والخلاص تغسل عني صدأ القلب
وقتاده ، وإنك الأعرف بيباس ٍ يعتري القلب كلما سقط في الحلبة فارس ، وكلما غاب وجه
أعرفه ـ أو لا أعرفه ـ عن هذه الأرض والسماء ، وإنك الأعرف كم يخنقني الموت ويخرسني
، وكم يمرضني ويرمضني أن يكون لأشيائنا ـ كل أشيائنا الحلوة ـ نهايات !!
أما وهذه هي الحال .. فهل تستغرب أن يتعدى القلب الضعيف عصف خبر رحيل شقيقك الذي
علمته بأسف .. من رسالة الأخ رامز
(2)
الى جريدة
(حمص) ، لينسى القلب دمعة أو دمعتين ـ أو يتناساهما ـ مغلباً عليهما أخرى لا تحمل
معناهما استدعاها الخبر المرافق : خبر فوزك الكبير
( بجائزة ابن زيدون) الذي نشرته أغلب صحف الوطن المقيم بفرحة واعتزاز قوميين جهيرين ؟؟
هل تستغرب أن يؤثر شراعي نهرَ الفرح المخلّص ، فأنساح في تياره ، وأهزج مع قومي
ووطني ، واتجاوز الموت بالحياة ، وعليه أفوز أنا الأخرى ؟
أهزج مع قومي ووطني ! أجل .. إن الفرح غلاب دوماً .. والشعر والشاعر ـ معاً ـ لنا
.. لنا ..!! بل في حال كهذه يصبح الفوز من نصيب الوطن أكثر من كونه نصيب الفائز ..
لأنه يكون صك أعتراف بحقيقة نبوغ وإشعاعة تاريخ وعبقرية حضارة ، والفائز يصبح وطناً
كبيراً ممتداً مغتبطاً بمعاني عطائه مشرعاً باباً واسعاً، عبره يدخل مؤمنون جدد
مرحلة الانتماء الواضح لذواتهم ولأرض جدودهم وآبائهم ، بل يصبح الفائز المهاجر
عائداً قريباً ، في كل زاوية ينزرع له حضور ، وعلى كل لسان يشمخ له ذكر . مَنْ لم
يعد بأجنحة الحديد والطائرات عاد بأجنحة الحنين والعطاء .. بأجنحة الحب والولاء ..!
شاعرنا الأثير :
إذ أعترف أمامك وأمام الملأ بأنني أخذْت’ بدخولك ملكوت العطاء الانساني الأرحب
بأكثر مما أخذت’ بدخولك حلبات الشهرة الباهرة ، التي طالما فيها حللتَ ، ومن غارِها
قطفت، فأنني لأهنئك بدخولك ذلك الملكوت الأقدس . . . لا بالغار المقطوف، وأهنىء
نفسي وكل من يتوجس معي يأساً بأنه لا يزال الذوق بخير ، والتقدير بخير ، والقيم
بخير ، والزمن العربي بخير ، وأنه لا يزال هنالك من يأبى أن يشهر أمام وجه الحقيقة
سيفَ قهر ، وأمام وجه الزيف والبطل وسام نصر ، ومَنْ يأبى أن يجرّح بالشوك
والمسامير يداً امتدت الى الجموع بعطاء بل من يرفض أن ترتد هذه اليد بغير الجوزَ
والسكر والوفاء .!
وألهث برحابة ! إذ لا يزال يقوم ـ بيننا وبين تراكم البشاعة في نفوسنا وجفاف ينابيع
الايمان في داخلنا ـ أمداء وأسوار ، وأنه لا يزال بمقدورنا أن نفرح ، وأن نسند
رؤوسنا المتعبة على صدر الشعر ، ننتصر به ، ونشكو إليه ، ونصلي له كي لاتنهار دولته
، وكي لا تموت عصافير الحب فيه برصاص المصلحة والمادة الهازئة . ونرجو ..
نرجو أن يظل الوحي’ والروح’ مستمرئين السكنى في أجفان أرض حلولنا الطيب ، يضرمان
الدفء حولنا ، يجنباننا زمهرير التفاهة والحسد ، ويقربان ملكوت الله إلينا ،
يعلماننا كيف نلج العالم مرة أخرى عن طريق قلبه وانسانه لا عن طريق قلاعه وحصونه !
أيها الشاعر العظيم :
أن تتفتح لك أبواب الأندلس على مصاريعها ، وأن تستقبلك عرائش الياسمين في فسحات
دورها العربية ـ مرة أخرى ـ أمر ليس من الغرابة في شيء : فبالأندلس يربطك ألف سبب
ونسب ، وهي على الأقل لن تنسى أباً ، كان أيضاً أباك ، ولن تنسى وشاح حضارة منسوجاً
بخيوط الزمن وخيوط القلب ، ألقاه يوماً هذا الأب على كتفها وكتف تاريخها ، ووكل
بمثله إليك ـ خلفاً مفضلاً ـ تنسجه الآن بحروف حبك وضوئك وتلقيه على آفاق الانسان
!! كما أنها لن تنسى قيثاره الشرقي الحنون الذي منه تعلمت كل جداول الأندلس
وأغصانها ونسيماتها وعنادلها أحلى تواشيحها الأندلسية ورقرقات أغانيها الشجية .. بل
لا تزال هذه الأندلسُ الحافظةَ الأمينة لكل خفقة من خفقات أنفاسه ولكل نبضة من
نبضات قلبه ولكل إيقاع من إيقاعات جياده العربية المطهمة في كل مدينة أو قرية
أندلسية مستريحة على سفح جبل ، او مستلقية على صدر بحر ، وفي كل دمعة من دموع بركة
عربية ما اصاب وشلها وناء ، وفي كل نسمة عذبة في (الزهراء) اعتلت إشفاقاً على آلاف
المبعدين المدنفين كابن زيدون، وما زالت الى الآن معلولة بحرقة الأشواق !!
هنيئاً لك أن يوكل إليك كل ذاك .. هنيئاً أن تنبض عبرك شبكة’ شرايين متداخلة
لعلاقات تاريخية عريقة ابتدأت منذ أن احتضنت قرطبة وهجَ دمشق وروح دمشق وملامح دمشق
وعانقتها حتى امتزاج الدم بالدم .. وشكراً ( للمعهد العربي الاسباني) يوقظ ذاكرة
التاريخ بسنابك شعرك الأصيل ، فتنهض الحضارة العربية مزهوة وقد استعادت صحتها ونشطت
دورتها الدموية .
أيها الشاعر الكبير
كلنا ـ عبرك ـ مكافؤون .. كلنا بك وطن ممتد وراء البحار .. يصنع أندلساً اخرى ..
وينسج حضارة اخرى ومنارة تاريخ اخرى ..!
خذ من تحياتي المقطوفة من القلب ـ أيضاً ـ كتهنئتي ، وزع ِ منها للسيدة
قرينتكم
(أم عمر) وللعائلة الكبيرة .. ومنها لا تنس رامزاً وسائر إخوتي واخواتي في (ندوة الأدب العربي) و(المعهد العربي الأرجنتيني) الذي كرم وطننا فيك واسلم .
(جواب
الوطن المهاجر) بقلم
: الشاعر المهجري الكبير
زكي قنصل
الأخت العزيزة : نهاد ..
أغلى من الجائزة التهنئة ، رسالتك الحلوة تنتقل بين أناملي وعيني كأنها كرة نور
وعطر أرسلها لي القمر . كيف أشكر الحياة ؟ لقد أعطتني أكثر مما أستحق .. وكيف أشكر
الشعر ؟
أين الذين يقولون إن الشعر في حالة احتضار ، وان ايامه اصبحت معدودة ؟ يقولون
: " علماء’ الاجتماع ( أو لا أدري مَنْ ! ) يؤكدون ان التطور العلمي يجرف امامه كل
قيم الجمال ، وأولها الشعر " . ويزعمون : ان الشعر كان له هيبة وحرمة يوم كان العلم
في اقماطه ، اما في هذه الأيام فالقارىء لم يعد يفتح الجريدة على الصفحة الأدبية ،
بل على الأنباء اليومية العابرة ويتتبع باهتمام اخبار الفتوحات العلمية .
وقد يضيفون ـ مثلاً ـ ان ارتياد القمر اليوم والمريخ غداً قد استأثر باهتمام
العالم وكان مدار أحاديثهم وتعليقاتهم في البيت والشارع والمقهى ، والولد الصناعي ـ
إذا صحت التسمية ـ كان له نفس الشأن واستحوذ على الخواطر ، وكل هذا صحيح ، ولكن
الصحيح ان مصير الفنون الجميلة الى زوال ؟
في تقديري أن هذه المزاعم لا صحة لها ، فالانسان ما يزال يطرب للكلمة الحلوة
ويهتز للنغمة الشجية ويقف بخشوع امام اللوحة الجميلة . وإلا فما معنى ان تباع لوحة
المصور الهولندي بملايين الدولارات وتستمر المطابع في كل انحاء العالم بإصدار
الكتاب المقدس ومؤلفات جبران ؟..
إن خارقة الوصول إلى القمر استولت على العقول ، ما في ذلك شك ، ولكن الموجة
ما لبثت أن انحسرت وعادت العقول سيرتها في تلمس مواطن الجمال و (الولد الصناعي) كان
موضع اهتمام البشرية ، ولكن هذا الاهتمام ما عتم أن خبأ شيئاً فشيئاً حتى قارب
الزوال ، وعاد القارىء العادي ـ والبشرية كلها هذا القارىء ـ إلى ما كان عليه من
العدو وراء أخبار الممثلين والشعراء والرسامين والمطربين ولاعبي كرة القدم !
وسوف يكتشف العلم ألف خارقة وسوف يقلب الانسانية من حال الى حال ، ولكن مادام
في الكون قوام يتثنى ، وعصفور يتغنى ، وزهرة تتضوع فلن تستطيع قوة ان تزحزح الشعر
عن عرشه الجميل الخالد .
سعيد أنا بعاطفتك الأنيقة وكلماتك المشرقة يا نهاد وفخور أنا بأن هذه الجائزة
أثارتك لكتابة هذه القطعة الخالدة من البيان المشرق الزاهي فكيف أشكرك وكيف اعبر عن
شعوري ؟
لك تحياتي فاغترفي منها ووزعي على الأصدقاء واحداً واحداً .
(بعد المطر
الأول …)
وَطني :
بإيعَازات الأشوَاق خفقت أقدَامُ السُعداءِ العائدينَ في أزقّتكَ الضّيقة، وَبدَفع
اللّهفة والحَنانِ دَقّوا عَلى حجَارتك.. فانفتح لهُم شطرٌ من عُمُرٍ مَدفونٍ
وَذكرى مقيمَة ..!
وَعَبقت أرضُنَا بالحَيَاة وَحَفلت بكل مَاهُوَ خَيرٌ وَجَدير، هَكذا بعد المطر
الأوَل تعبقُ الأَرضُ بالحَيَاة وتفرَحُ بعُمقٍ وَدَمعٍ كأمّ كبيرة ..!
نهاد شبوع
|
|||
WEBMASTER : AA-ALSAAD
|
|||
This Web Site Programmed and
Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD
..... Copyright 2003 (C) SCOPNET All
Rights Reserved
|
رابطة اصدقاء المغتربين تأسست عام 1973 وكانت رأيستها الاديبة الراحلة نهاد شبوع وتم اصدار 12 عدد فقط في بيت المغترب في حمص .
الخميس، 29 أكتوبر 2015
مجلة السنونو ( العدد الأول ) - جسر الرسائل والذكريات - نهاد شبوع ( حوار عبر البحار )
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق