الخميس، 29 أكتوبر 2015

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - بلاد الجدود La patrie des aieux " ما أعطتني حمص" - عبد المعين الملوحي

مجلة السنونو ( العدد الأول ) - بلاد الجدود  La patrie des aieux
" ما أعطتني حمص" - عبد المعين الملوحي

يا حمص !
يا بلدي !
يا مثوى آبائي وأجدادي !
ترابكِ الأحمر صاغ َ جسدي،
حجارتك الصلبة’ قَدّتْ مبادئي،
ماؤكِ العذب’ أنبتَ عواطفي،
ريحكِ العاصفة نسجتْ جنوني،
أغصانكِ المياسة’ ألهمتْني حناني.
يا حمص !
يا بلدي !
يا مثوى آبائي وأجدادي .
*****
" كيف تكونت طبيعة حمص ؟ "
 قالت جبال العلويين لجبال عكار :
-      ألا تحبينَ حمص ؟
قالت : بلى !
قالت : - إذن فتعالي نفترق قليلا ً لتتنفس.
كان ذلك في الدور الثالث .
*****
 قالوا : تجمعتْ أنهار الشام ذات يوم ٍ وقالتْ : تعالين نمضي إلى الجنوب ، و قال أكبرها : - بل سأمضي إلى الشمال .
وسألته الأنهار : - ولماذا أيها العاصي؟
قال لأسقيَ حمص وأهلَ حمص .
 *****
قالوا : اجتمعتِ العقارب’ ، ذات يوم ، وقال لها كبيرها :
تعالينَ نترك هذه التربةَ الطيبةَ ، كيلا نؤذيَ أهلها الأبرار .
وأطاعته رعاياه .
ومنذ ذلك اليوم لا تعيش العقارب في حمص .
 *****
أرأيت ياحمص كيف أحبتْك الجبال فانشقت لتتنفسي .
وأحبتْك الأنهار فتمردت لتشربي .
وهابتك العقارب فغادرتك لتطمئني .
*****
" شعراء حمص "
 يا حمص !4
شعراؤك لم يرتضوا عنك بديلا ً ،
ديك الجن لازم ميماسك ليل نهار ،
فكأنه شجرة من أشجاره .
نسيب عريضة ماتَ في غربته ،
وأوصى أن تنقلَ رفاته’ إليك،
وأن يكون قبره من حجارتك السود
ولكن وصيته لم ينفذها أهل’ حمص ـ واحسرتاه ـ
ما العمل’ يا نسيب إذا كان أكثر’ رجال ِ بلدك قد أصابهم الخور (1)  ؟
ما العمل’ يا نسيب إذا كان أكثر’ نساء ِ بلدك قد أصابهن الوهن ؟
ولذلك فهم منذ اثنتين وخمسين سنة عاجزون عن إعادتك إلى بلدك .
*****
عبد الباسط الصوفي أراد العودةَ إليك ،
فلما لم يستطع ذلك وهو حيّ ، انتحر، فعاد إليك وهو ميت (2) .
وصفي القرنفلي عرف كيف أنكرت حمص نسيباً فآثر بقاءه في بلده .
بل زاد على ذلك فلزم فراش مرضه سنين حتى انتهى و دفن في أرضه (3) .
 *****

" من ذاكرة الأيام"

 يا حمص!
يا بلدي!
تعاليْ أذكركِ ببعض ِ أيام ِ شبابي في رحابِك :
كنت’ كلّ مساء ، أحمل’ زادي ، وأمضي إلى الوعر ،
أجلس’ على ضفةِ ساقية الخبايا ـ وقيل الحيايا ـ حينا ،
وأقف أتأمل واديَ العاصي الأخضر حينا ،
أرى أشجاره تترنّح’ ، وأرى حقوله تتموّج .
ومن وراء الوادي ينتصب’ مسجد’ خالد بن الوليد شامخاً ،
وخالد يشهر سيفه ويذكّرنا بماضينا المجيد (4) ،
ويدعونا إلى مجدٍ جديد .
وحول المسجد تترامى البيوت ،
وأتصوّر’ أني أجد بينها بيتي ،
وقد أترعتْه أمي حباً وطهراً ، وأترعَه’ أبي إيماناً وتقوى ،
وأبقى في الوعر حتّى أرتعش رعشةَ البرد لا الخوف ،
آكل زادي وأعبّ ماء الساقية ،
وأناجي القمر ،
أصحبه من ساعة طلوعِه إلى ساعة غروبه ،
أسأله : ألست’ صديقك الحميم ؟
وأسمعه يجيب : "عفواً فليس لي صديق ،
" في مطلع حياتي كان لي أصدقاء كثيرون،
" فلما رحلوا جميعاً وخلفوني وحيدا ،
" قررت أن لا يكون لي صديق ، خشية أن أفجع به ، كما فجعت بمن قبله . "
وأغضّ طرفي وأمسح جرحي وأصيح :
ـ واحسرتاه ـ حتى القمر ليس له صديق .
*****
" في حمص أستعيد شبابي "
 يا بلدي!
كلما زرتك شعرت’ بدم ٍ جديد ٍ يسري في عروقي ، وبنشاط ٍ عجيبٍ يدبّ في أوصالي ، كدت’ أنسى أني مشلول ،
كدت’ ألقي عكازتي المشؤومة ،
عكازةَ الشيخ ِ الذي يدبّ على الأرض دبيباً ،
كدت’ أمشي مستقيمَ العود ، منتصبَ القامة ،
كدت’ أهرول ،
كدت’ أثب على الدرج وثباً .
فإذا فعلت’ ذلك ردّتني الثمانون إلى حقيقتي المرة .
كما ردّتِ الخمسون ديك الجن ذاتَ مَرّة .
ولئن لم تستطيعي يا حمص’ رَدّ شبابي فحسبكِ أنكِ أحييتِ ذكرياتِه الحلوة في نفسي .
 وحسبي أني آثرت’ العودةَ إليك ولو كنت’ في جنان ِ النعيم .
وحسبي أني آثرت’ لثم ترابِك على لثم ِ ثغر ِ حبيبتي :
 
ويا وادي العاصي وقد كنت روضةً
لئن مزقتْ أيدي المقادير شملَنــا
(فإن أستطع في الحشرآتك زائراً)
(1)
ولو خيّروني لثمَ ثغر حبيبتـــي
 
أناجي بها الأحبابَ ، حيّيت َ واديا
فما زالَ قلبي صادقَ الودّ  وافيـا
ولو خطرتْ حور’ الجنان ِ أماميا
ولثمَ ثرى أرضي لثمت’  ترابيا
(2)

 
وإلى اللقاء يا حمص ! يا حبيبتي !
يا حبيبتـــي ! يا حمص !
(1)     ـ صرخة نسيب الموجعة وردت في ديوانه "الأرواح الحائرة" :256
يا دهر قد طال البعاد عن الوطـن
هل عودة ترجى وقد فات الظعـن؟
عدْ بي إلى حمص ولو حشو الكفن،
واهتف أتيت بعاثر مــــردود ،
واجعل ضريحي من حجار سـود .
(2)     – قدم عبد الباسط إنذاره بانتحاره المبكر الرهيب في ديوانه : 30
رجفة بين حنايا القبر فلأرسل صلاتي
ولأسرْ كالحلم’ الغارب ولأطو ِ حياتي
(3) – رغم أن القرنفلي عرف سلفاً وحشته في قبره. ديوانه "وراء السراب" :221
أموت فلا تبكي عليّ قصيدة         ولا عابر في الدربِ يسأل عن قبري .
 (4) – إشارة إلى نصبه التذكاري .
(1) – الشطر الأول للمعري .
(2) – من قصيدتي "عبد المعين الملوحي يرثي نفسه" : 29

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق