الثلاثاء، 15 مارس 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة قصيرة - مجنونة ( قصة : د . لين غرير )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة  قصيرة     
مجنونة ( قصة : د . لين غرير )

مجنونة
قصة: د. لين غرير
 
 سمعت صوته.. نهضت من سريرها مشت بضع خطوات ثم توقفت قرب النافذة.
 عيناها مفتوحتان باتساع تنظران إلى البعيد.. شعرها أشعثٌ مهمل.. وجهها أصفر اللون باهت القسمات والفم موشومٌ بالتجاعيد.
 تثاءبت بكسل ثم أسندت جبينها إلى الزجاج.
المطر في الخارج يسقط بغزارة, ينقر مصدراً صوتاً يثير غضبها.
 تفتح النافذة وتصرخ:
-  تعال أرجوك..هيّا.. هيّا.. ادخل وأبعدها عني..أبعدها عن أولادي لماذا تأخرت؟ هيّا..أرجوك...
 تسقط قطرة على وجهها:
- آه .. هناك ماءٌ على أنفي.. على عيني.. لماذا لا يوجد ماءٌ على وجه ابنتي؟  لماذا لم تصل مبكراً وتنقذ ابني.. لا أريدك لي .. لا أريدكَ الآن.. أكرهكَ ..أكرهكَ...
مسحت وجهها بأصابع مشدودة مرتجفة وأغلقت النافذة بوجه المطر ثم صرخت بأعلى صوتها: - - أكرهكَ أيها الماء..
استيقظ على صوتها عدد ٌمن المريضات في العنبر. أسرعت إحداهن تمسكها وتجرّها نحو السرير وهي  تقول :
-  نامي يا بسمة.. هيّا نامي حتى يمضي الوقت سريعاً ونصل إلى (بلاد برّا) .. هناك يمكنني أن أذهب إلى الشرطة إذا ضربني أبي مرةً ثانية, ويمكنني أن أشتري ما أريد, وأخرج إلى الشارع وقت أشاء.. هس..الطيار يقول يجب أن ننام.
أبعدتها بسمة بحركةٍ عصبية وعادت تراقب المطر:
-  قالوا لي : في السماء إلهٌ كبير جبار.. لا يعلمون له شكلاً.. يراقبنا .. قالوا إنه حنون و رؤوف. أريد أن أراه, أريد أن أسأله عن أولادي.. لماذا سمح للحريق أن يأخذ أطفالي؟ هل كان نائماً حينها.. لكنهم قالوا إنه لا ينام.. يسهر علينا, لماذا لم يرَ النار إذاً وهي تحرقهم؟؟
لماذا لم يرسل الماء وهو القدير على كل شيء؟ ؟ .....
ركضت إلى سريرها وأمسكت المخدة وقرّبتها من صدرها ..ابتسمت لها برقة وراحت تناجيها : -  آه يا طفلتي..  لم تنامي بعد. حبيبتي الصغيرة.. لا تخافي.. الماء سيأتي وسيارة الإطفاء ستصل ولو بعد حين, سينقذونكِ يا صغيرتي.. الباب المغلق عليكما سيُفتح.. أغلقه الحريق بوجهي عندما كنت نائمة فلم أستطع الدخول, وعندما كسرته أمسكتني النار من ثيابي وهي تضحك مني ساخرة. كل شيءٍ في الغرفة صار بلا حياة, لا تخافي حبيبتي لقد وصل رجال الإطفاء وسيفصلون رمادكِ عن السرير.. أجل لا تخافي .
وأنتَ يا ولدي كم كنت أنتظر أن أراكَ أمامي شاباً فإذ بي لا أحظى حتى بجسدكَ كاملاً لأودعهُ.. آهٍ يا لوعة القلب, كم سأحتمل من هذا القدر.. لماذا يموت كلاهما وأبقى وحيدة؟ لماذا؟...
وعلا صوت نحيبها فاقتربت منها إحدى المريضات وجلست بقربها على السرير وقالت:
-  بسمة.. بسمة  لا تحزني فأنا حين أخرج سأنتقم لكِ من الحريق, سأشعل النار في السماء, أنتِ تكرهين السماء لأن المطر فيها.. حسناً أنا أيضاً أكره السماء لأن فيها غيوماً كثيرة تحجب عني عينيه.. هو يحبني.. ألم يخبركِ أنه يحبني؟  لقد علم الجميع بذلك .. لكنّه هرب  وتركني لأنه يحبني كثيراً.. سبع سنواتٍ وهو يغازلني ويعدني بحياةٍ سعيدة بعد الزواج,  وأخيراً جاء ليخبرني أنه سيتزوج تلك الفتاة فقط من أجل الجنسية الأميركية.. إنه يهوى السفر ويحق له أن يهاجر.. يهاجر كي يعود ليأخذني.. تُرى هل مرَّ عام؟؟   لقد سافر في السنة الماضية عام 1997.. نحن بأي يوم بسمة؟.. بأي شهر؟.. هل مرَّ عام؟ 
رفعت بسمة رأسها والدموع تغمر وجهها ونظرةٌ ساهمة بلا معنى في عينيها:
- أخبرتني أمي أن الزواج هو الأهم.. لم تتركني أكمل دراستي, كم تمنيت أن أكون في الجامعة, لكن أمي قالت (البنت آخرتها لبيتها وأولادها) ولم تخبرني أن النار ستسرق مني بيتي وأولادي, وأنا التي تركت كل طموحاتي من أجل أن أتزوج ويصبح لدّي عائلة.. أين هي عائلتي الآن؟
زوجي طلّقني وتزوج منذ أسبوع ..لا..لا.. ربما منذ شهر أو ربما سنة, قالت لي أختي عندما زارتني أن زوجته ستنجب طفلاً.. وأنا .. أريد أولادي.. أين أولادي ؟؟
فُتحَ الباب وأطلّت الممرضة :
-  ما هذه الأصوات؟ ماذا تفعلن في مثل هذه الساعة المتأخرة؟ هيّا إلى أسرتكنّ بسرعة.. بسمة.. غداً لديكِ جلسة معالجة يجب أن تنامي .. هيّا بسرعة.
أغلقت الممرضة الباب واستلقت بسمة في سريرها:
-يريدون أن يعالجوني من السرطان .. لا يعلمون أنه الهدية التي أرسلها لي ذلك الإله في السماء, فقد طلبتُ منه كثيراً أن يسمح لي برؤيته.. ووعدني هو بذلكَ مراراً.. لكنّ أولادي ليسوا عنده.
 كذب عليَّ الجميع حين أخبروني أن كلّ الناس حين يموتون يصعدون إلى السماء.. ما أكبرها هذه الأكاذيب! كيف سيصعد أولادي وقد صاروا رماداً وأشلاء ممزقة.
أعلم أنني لن أراهم ثانيةً, لكنني أريد أن أرى الله لأسأله لماذا.
 ولذلكَ أرسل لي ملاكاً أو شيطاناً ..لايهم.. وزرع في جسدي سرطاناً ليأخذني بسرعة إليه رحمةً بي.. وهؤلاء الأغبياء يعالجونني, فقد دفع أهلي التكاليف لا محبةً فيّ بل شفقة ومجرّد واجب أمام الناس , وأنا أسخر منهم جميعاً لأنهم لا يعلمون شيئاً عن حديثنا معاً أنا والله كل ليلة.. ولا عن وعده لي.. لا يعلمون.
تثاءبت بسمة وأغمضت عينيها الدامعتين ثم نامت وهي تؤمن أن أملها بالوعد سيتحقق وسترى الله لتسأله.. فوحده لديه الجواب.
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق