الثلاثاء، 15 مارس 2016

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة قصيرة - فانتازيا - 2- ( بقلم : كامل دعدوش )

مجلة السنونو ( العدد الحادي عشر ) - قصة  قصيرة     
فانتازيا - 2-  ( بقلم : كامل دعدوش )

فانتازيا-2-
بقلم: كامل دعدوش
 
 اقتنع الملك (يختور) بالحلّ الذي اقترحه مستشاره (طعموش)، فأمر بتجهيز عربة العروس، وأرسل وفداً إلى الملك (هيراس) ليتفق معه على تحديد يوم الزفاف. وفي اليوم المحدد احتفل الأهالي في الجزيرتين بتلك المناسبة السعيدة.
لم يدقّق الملك (هيراس) بالعربة المرسلة لأنّ له أهدافاً أبعد من عربة مرصعةٍ بالجواهر!
أما الملك (يختور) فقد فرح بإتمام مراسم العرس بلا عوائق واعتراضات، وأدرك أنّ العقل عندما نُحسن استخدامه أقوى من المال والسلاح!
*      *      *      *
كان الشهر الأول للعروسين شهر المجاملات والملاطفات، وكان كلُّ واحد منهما يودُّ معرفة الآخر وسبر أغواره واكتشاف صدق عواطفه، ولم يطلْ ذلك فقد تبين لهما أنهما على طرفي نقيض في الطبيعة والأهداف، ومع ذلك ظلا محافظين على التعامل بشكل رسمي أمام الآخرين.
لقد كانت العروس هادئة جداً في سلوكها، يغلب عليها التروي والحذر وبعدُ النظر، ولعلها كانت متضامنةً مع أبيها في الأهداف!
أما عريسها (نهروز) فكان عاطفياً جداً، يعيش اللحظة الحاضرة، ويغتنم ما توفره له من مرح وسرور وملذات. وقد ثابر على السهر مع أترابه يومياً، فلا يدخل مخدع الزوجية إلا قبيل مطلع الشمس، واستمر على هذه السيرورة أكثر من سنة، ولم تنجب له زوجته طفلاً، يجعله يعدّل من سلوكه، فيكون أكثر جدّية وأكثر تعقلاً. وفي الوقت نفسه كان التأخر في الإنجاب مصدر قلق لوالده الملك ولوالدته أيضاً!
*      *      *      *
وفي رحلة من رحلات الصيد، لدغت أفعى سامة الملك (يختور) فمات بعد أيام، وآل المُلك إلى (نهروز) الذي حزن على أبيه حزناً شديداً، وفي الوقت نفسه أصابه ارتباكٌ كبير لأنّ الحكم مسؤولية وقرارات يجب اتخاذها حلاً للمشكلات الطارئة، ودفعاً لأخطار محدقة!
أما الملكة الأم فقد أوشكت على الانهيار أمام هذا المصاب الأليم، فانكفأت على نفسها، وانعزلت عن المراسم الملكية واتجهت إلى التعبد والصلاة!
بينما سعت زوجة (نهروز) إلى التقرب من زوجها وشدّ أزره والإيحاء له بالقرارات الصائبة أو التي هي في مصلحتها!
كان الملك (هيراس) يزور ابنته ويطّلع على أحوالها وأحوال الجزيرة التي كانت في تدهور مستمر، وكان يرسل الهدايا والمعونات كي تتوفر لابنته الشروط الملائمة لعيش كريم!
غير أنّه في إحدى زياراته وافته المنية وهو يعبر الجسر الذي يربط الجزيرتين.
لم يكن لـ (هيراس) من وريث إلا ابنته. وخوفاً من حصول فراغ في السلطة بادر رئيس الحرس الملكي إلى جمع مجلس الحكماء (10+1) وطلب منهم الاتفاق على واحد منهم ليكون ملكاً، غير أنّهم افتقدوا حكمتهم، وتنازعوا أمرهم: كلٌّ يريد الحكم لنفسه، وحتى لا ينتصر واحد منهم على الآخر سلّموا الأمر لرئيس الحرس ليكون هو الملك.. فكان!
*      *      *      *
كان رئيس الحرس يحبّ ملكه ويحترمه حتى لقّب نفسه بـ (هيراس الثاني) ، وقد تابع سيرته في الحكم في النزول إلى الشارع والاختلاط بالناس متنكراً بأزياء مختلفة، ومن ثم اتخاذ القرارات الإصلاحية الصائبة أو معالجة مواطن الخلل بكل حزم وثبات دون اللجوء إلى العيون والأعوان والجواسيس حتى احتلّ قلوب الناس في أشهر قلائل!
أما زوجه (نهروز) فقد فقدت بوفاة أبيها سنداً قوياً.. لكنها في الوقت نفسه، آزرت زوجها ودعمته وحاولت ثنيه عن بعض التصرفات التي تقلل من هيبته وتُضعف من نفوذه في الجزيرة!
*      *      *      *
في صباح أحد الأيام، سمع الملك (نهروز)، وهو نائم في مخدعه، أصوات استغاثةٍ.. أعقبها ركضٌ وتدافعٌ..
نهض الملك فشاهد من نافذة غرفته التي تطلُّ على البحر خمسة رجال ممزقي الثياب يرتمون على رمال الشاطئ ويطلبون ماءً للشرب، فأسرع الأهالي وقدموا إليهم الماء والطعام.
عندئذٍ طلب الملك من رئيس الحرس جلب هؤلاء الرجال لمقابلته ولكن بعد أن يأخذوا فسطاً من الراحة ويستبدلوا ثيابهم بأخرى!
*      *      *      *
سأل الملك: من أنتم.. وما قصتكم؟ وما اسم جزيرتكم؟
أجاب كبيرهم: نحن يا جلالة الملك من جزيرة الخلود، نخرج كلّ شهرين لنشتري العبيد من الجزر الفقيرة، ليقوموا بأعمال الزراعة، لأن لدينا أراضٍ واسعة خصبة، وتقلُّ عندنا الأيدي الشابة العاملة!
وكنا في طريق العودة عندما هبت علينا عاصفةٌ هوجاء حطّمت سفينتنا فغرقت وغرق معها الكثيرون، ولم ينج منها إلا نحن الأربعة وهذا العبد، لأننا أمسكنا ببعض حطام السفينة، وسبحنا مدّة يومين بلا ماء ولا طعام إلى أن لاحت لنا صباح هذا اليوم أسرابٌ من الطيور فاستبشرنا بوجود جزيرة قريبة، فاتجهنا نحو الوجهة التي قدمت منها، فلاحت لنا جزيرتكم فشددنا من عزيمتنا إلى أن وصلنا سالمين إلى شاطئكم!
سأل الملك: لماذا سميت جزيرتكم بهذا الاسم؟ ولماذا تقلُّ عندكم السواعد الشابة؟
أجاب كبيرهم: قبل عشر سنوات لم تكن جزيرتنا كذلك لا من حيث الاسم ولا من حيث قلة السواعد الشابة! ولكن طرأ عليها طارئ غيّر فيها كل شيء، هذا الطارئ تمثل بقدوم سرب من طيور (الهيمانس) التي هي أكبر حجماً من النسور وأكثر شراسة وفتكاً، فاحتل هذا السرب أحراش القمة، فخافت الطيور كلها بما فيها النسور وتركت أعشاشها. وهذه الطيور لم تكن موجودة عندنا غير أن أجدادنا أخبرونا عنها وتركوا لنا تراثاً غنياً يتحدث عن مزاياها وأخطارها! فمن مزاياها أن بيضتها تعادل خمس أضعاف حجم بيضة الدجاج، وعندما تؤكل تزيد من عمر الإنسان سنة واحدة لكنّها في الوقت نفسه تقلل من نسله!!
أما أخطارها فتظهر حين تهاجم إنساناً فتقتله فوراً، أما إذا حدّق طيرٌ منها في عيني إنسان فغالباً ما يفقد الرؤية. وقد خسرنا عدداً من الرجال من جراء ذلك. غير أن الصيادين الذين امتهنوا هذه المهنة يلجؤون إلى الحيلة لسرقة بيضها وبيعه بسعر غالٍ جداً. إنّهم يتسلقون الجبال في وضح النهار، حاملين معهم أكياساً فيها طيور وعصافير وما إن يقتربوا من موطن تلك الجوارح حتى يطلقوا تلك الطيور والعصافير في الجو، فتهرع تلك الجوارح إلى اصطيادها تاركةً أعشاشها بلا حماية فينتهز الصيادون الفرصةَ ويسندون سلالم على الأشجار ويلتقطون تلك البيوض تاركين بعضها ليستمر هذا النوع. ثم ينحدرون إلى مغاور يختبئون فيها حتى يسدل الليل أستاره، فيتسللون إلى المدينة فرادى غانمين!!
سأل الملك: بكم تباع البيضة في جزيرتكم؟
أجاب الكبير: في البداية كانت تباع لأهالي الجزيرة بقطعتين من الذهب، ولما زاد الطلب عليها من الجزيرة ومن الجزر الأخرى ارتفع سعرها إلى 100 ذهبية وإذا لم يتوفر الذهب فتُعطى عندئذٍ مقابلَ عبد!
سأل الملك: أتودون البقاء في جزيرتنا أم ترغبون بالعودة إلى جزيرتكم؟
أجاب الكبير: إنّه شرف عظيم وكرم كبير السماحُ لنا بالعيش معكم ولكنّ العودة أولى وأحبُّ إلى قلوبنا!
قال الملك: غداً أرسل عدداً من بحارتنا لاصطحابكم في سفينة إلى جزيرتكم معززين مكرمين.
أجاب كبيرهم: سنكون لك من الشاكرين أيها الملك الكريم، وسنرسل لك من هنالك (بيضة) هديةً عرفاناً بالجميل راجين قبولها!
*      *      *      *
رجعت السفينة التي حملت الناجين من الغرق إلى جزيرتهم بعد أسبوع، حاملةً معها صندوقاً من الخشب فيه (البيضة – الهدية) مغمورةً بالتبن!
حمل البحارة الصندوق وأدخلوه إلى قصر الملك (نهروز). فرح الملك بالبيضة المباركة، وأمر بوضعها في الماء الساخن لتنضج.. ثم قُدّمت إليه في صحن من الفضة على طاولة الطعام..
طلب الملكُ من زوجته الجلوسَ ليقتسم وإياها البيضة ولكنها أبت لأنها سمعت حديث البحّارة أنّ هذه البيضة تزيد من العمر ولكنها تضعف النسل!
فألحّ عليها الملك فاعتذرت. حينئذٍ قطّع البيضةَ قطعاً صغيرة وشرع في تناولها تباعاً حتى انتهى منها. ولقد أحسّ الملك بالشبع وأحسّ بشيء من الحيوية والنشاط!!
*      *      *      *
فكّر الملك أن هذه البيضة تطيل من عمر الإنسان سنةً واحدة، لذلك يجب أن يتناول بيضةً واحدة كلّ شهر باستمرار..
وتأمين /100/ ذهبية أو تأمين عبد أمرٌ ممكن إذا لجأ إلى شيء من الشدّة والحزم مع الأهالي!
وفعلاً.. قبيل انتهاء الشهر كان يرسل عدداً من حرّاس القصر ليجمعوا له مائة ذهبية، وحين يتعذر عليهم ذلك كانوا يأخذون شاباً من أية أسرة كثيرة العدد ليكون عبداً يباع مقابل بيضة الملك واستمر الوضع على هذا النحو عدة أشهر: فالأهالي يزدادون فقراً والملك يزداد نهماً ليطيل من عمره!! حتى شرع كثير من الأهالي بمغادرة الجزيرة إلى جزر أخرى وخاصةً إلى جزيرة الطاووس الأقرب إليهم.
لم يقتصر تأثير تلك البيضة على الأهالي فقط بل أثّر على الحياة الزوجية للملك، فقد تحول الفتور بين الزوجين إلى شرخ كبير، والملك يزداد بعداً عن زوجته لانغماسه في الشهوات والملذات مع حاشية السوء!!
أما الملكة.. فإضافةً إلى أنها لم تقتنع أصلاً بتأثير البيضة في إطالة العمر.. فإنها تعاطفت مع الأهالي الذين لاقوا العنت والظلم من أجل تامين ثمنها!!
*      *      *      *
على الرغم من أنّ جزيرة الطاووس أحسنت استقبال الوافدين إليها وأمنت لهم سبل العيش الكريم إلا أنّ الوضع كان يزداد سوءاً شهراً بعد شهر، لذلك اجتمع عدد من العقلاء ، وقرّروا مقابلة الملك (هيراس الثاني) لعله يستطيع إيقاف المأساة والتدخل لتخليصهم من حكم ذلك الملك الجائر.. وليعودوا من ثم إلى جزيرتهم آمنين!!
*      *      *      *
استأذن وفد من مجلس حكماء جزيرة الطاووس في الدخول على الملك (نهروز)..
يا جلالة الملك..
لك ولشعبك كلّ احترام وتقدير من الملك 0هيراس الثاني) ومن شعبه الشقيق، وقد حمّلنا رسالة أرجو أن تتفضلوا بقبولها..
فضّ الملك الرسالة المختومة وقرأ:
" يا جلالة الملك نهروز المبجّل!
أسمح لنفسي، بحكم الجوار والمصاهرة التي تجمع الجزيرتين أن ألمح إلى بعض القضايا الداخلية التي تعاني منها جزيرتكم، وأعترف أنّ هذا ليس من شأني ولكنْ إذ أشير إلى ذلك فليس في نيّتي إلا الخير والمحبة لشخصكم الكريم ولشعبكم الشقيق ليس سراً.. أن الهجرة من جزيرتكم إلى جزيرتنا فاقت كلّ التوقعات، ونحن نتحمل عبء ذلك. لكنّ هؤلاء المهاجرين يزدادون نقمةً.. وثمة مؤشرات تنبئ عن تحضيرات للقيام بانتفاضةٍ لا يعرف أحدٌ عواقبها لهذا أرى من واجبي اقتراح بعض الحلول:
1- إيقاف حملات نزع الأموال من الأهالي لصالح البيضة المخلِّدة. ونحن على استعداد لمدّ يد العون إليكم بكل أشكاله حتى تستعيد الجزيرةُ حياتها الطبيعية، وتزدهر فيها الأعمال ويأمن الناس فيها على أرواحهم وأموالهم، وليس لنا من مطلب سوى حسن الجوار وحق القرابة!
 2- تسليم السلطة إلى الملكة لتدير شؤون الجزيرة، ونحن على استعداد أيضاً لمساعدتها. أو انتخاب ملك جديد من قبل مجلس الحكماء عندكم!
3- في حال تسليم السلطة.. لكم أن تختاروا الجزيرة التي تناسبكم وان تصطحبوا العدد الذي ترونه ضرورياً من الأقرباء والأعوان والخدم.
ومن جهتنا نتعهد بحملكم على سفينة فيها حرس وجنود من قبلنا، مع صندوق مليء بالقطع الذهبية إضافة إلى المؤن الضرورية للوصول سالمين.
مع فائق الحب والاحترام
الملك هيراس الثاني"
أعاد الملك قراءة الرسالة بإمعان، ثم سمع كبير الحكماء يسأل الملك: يا جلالة الملك نريد أن نحمل ردّكم على رسالة الملك هيراس الثاني!
أجاب الملك وكان وجهه يطفح بالغضب:
انتظروا إلى الغد.. حتى أعطيكم الرد!
*      *      *      *
دخل الملك إلى غرفة الملكة وسلّمها الرسالة لتقرأها... ثم سأل: ما رأيك فيما قرأتِ؟
وهل يحق لملك جزيرة الطاووس التدخل في شؤوننا؟
وهل تحرك الطمع القديم بجزيرتنا الصغيرة بمجرد حصول مشاكل داخلية عندنا؟
أجابت الملكة بكل ثقة:
إنّ ما يحصل في جزيرتنا متوقع فالأهالي لا يمكن أن يصبروا على الظلم مدةً طويلةً، والملك يستحق وراثة الملك ولكن لا يصبح حكمه شرعياً إذا لم يرعَ شؤون الناس ويحرص على مصالحهم، فوالدي الملك هيراس لم يتجه في حياته كلها إلى لهو أو ملذات بل كان منشغلاً بأحوال الجزيرة وحمايتها وتحسين شروط العيش للناس!
أمّا أنت... لم تكمل وإنما ابتسمت ابتسامةً ساخرةً!
أجابها الملك بغضب: لا أريد مواعظ فات أوانها.. ولكن هل تختارين الرحيل معي إلى جزيرة الخلود؟
أجابت: أنا لن أغادر هذه الجزيرة أو جزيرة والدي.. وإذا عزمتَ على الرحيل فأرغب إليك أن تفكّ عقدة الزواج بيننا ليبقى لك عندي ذكرى طيبة!
استمع الملك إلى كلام الملكة على مضض ولكنّه آثر أن يكون نبيلاً معها، فأمسك بالمقص، وقص خصلةً من شعرها ورماها في الموقد، وقامت هي بدورها بقص خصلةٍ من شعره ورمتها أيضاً في الموقد.. وهكذا حُلّت رابطة الزوجية بينهما!
*      *      *      *
دخل نهروز إلى مقصورة أمّه، فقبّل يديها، ثم عرض عليها ما يجري في الجزيرة، واعترف أنه غير قادر على تحّمل المسؤولية، ويودّ اللجوء إلى جزيرة الخلود هو وبعض أفراد حاشيته!
نظرت الأم إلى ولدها نظرة حسرة وإشفاق وقالت: لقد خيبتَ ظني بكَ، وأضفت حزناً على حزني..!
أجاب الابن: أرغب إليك أن ترافقيني في رحلتي إلى جزيرة الخلود..
أجابت الأم: أنا لن أغادر جزيرة وُلدت فيها وشاركت أباك في حكمها، فارحل محفوظاً..
فقبل يديها ووجنتيها وخرج مسرعاً..
*      *      *      *
في عصر اليوم التالي توقفت سفينة متوسطة الحجم، فيها جنود وحرّاس، محملةٌ بكل متطلبات الرحلة..
توقفت في خليج بعيدٍ عن الأنظار وكان في انتظارها الملك نهروز وعدد من مرافقيه. ركبوا السفينة، فاتجهت شمالاً.. قاصدةً جزيرة الخلود!
وما إن غابت شمسُ ذلك اليوم حتى غابت السفينةُ عن الأنظار وخلّفت وراءها ذكرى لا تُنسى!!
*      *      *      *
في صبيحة اليوم التالي، دخل الملك هيراس الثاني الجزيرةَ ومعه حرّاسه وعددٌ من حكماء الجزيرة فطلب الإذن في مقابلة الملكة فسمحت لهم.
لقد شقّ عليَّ ما جرى من أحداث في هذه الجزيرة، ولولا توقعي لأحداث دامية كانت على وشك الحصول لما كنت تدخلت. ولعل تدخلي كان في صالح الجزيرتين.
وأتمنى ألا يكون قد خامرك شك في نواياي وإخلاصي لوالدك جلالة الملك هيراس الذي كنت أكنّ له كل احترام وإعجاب وما زلت على العهد، مخلصاً لذكراه ومبادئه وأعماله الصالحة.
وإنني منذ هذه اللحظة أترك لكِ حريةَ اختيار ما تعتقدين أنّه في صالح الجزيرتين: فإذا رغبت في حكم جزيرة الطاووس وحدك فأنا أتنازل عن العرش وأرجع رئيساً لحرسك، وإذا رغبت بمشاركتي في حكم الجزيرتين فإنه يشرفني ويسعدني أن أطلب يدك للزواج حتى يستقيم الأمر لكلينا في إدارة الحكم.
ابتسمت الملكة وهزّت رأسها موافقةً، فهلل الحكماء وصفقوا ابتهاجاً بهذه النتيجة المحمودة!
*      *      *      *
بعد أسبوع حضر الملك الشاب إلى جزيرة عروسه في عربة مزخرفة، ترافقه عشرات العربات، لينقل العروسَ إلى قصر أبيها (هيراس)، فابتهج الأهالي في الجزيرتين لهذا الزواج راجين أن يكون فاتحة عهد جديد حافلٍ بالأمن والرخاء!
*      *      *      *
في صباح اليوم التالي، دخل أول شعاع من شمس ذلك اليوم إلى غرفة العروسين ليكشف عن وسادة تحمل رأسين لملكين: أحدهما بالتوريث والآخر بالاستحقاق.
 
"فيم نخشى الكلمات
إن منها كلماتٍ هي أجراس خفية
رَجْعُها يُعلن من أعمارنا المنفعلات
فترة مسحورة الفجر سخية
قطرت حساً وحباً وحياة
فلماذا نحن نخشى الكلمات"
نازك الملائكة
 
 
 
WEBMASTER : AA-ALSAAD
This Web Site Programmed and Written By ABD ALMASSIH JAMIL ALSAAD ..... Copyright 2003 (C) SCOPNET  All Rights Reserved 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق